الأحد 2024-12-15 21:08 م

وزراء الأردن : اركب معنا .. تمتع بالرحلة

02:03 م

الوكيل - رصد - حفلت الوزارة الجديدة في الأردن بثلاثين حقيبة دفعة واحدة رغم أن رئيسها فايز الطراونة صرح بأنه سيشكل حكومة {رشيقة} وبعد اليمين الدستورية فهمنا مقاصد الرجل فالرشاقة أصابت حقيبة واحدة فقط لان الحكومة السابقة كانت تضم 31 وزيرا وهي بهذا المعنى شكل مبتكر من أشكال الرشاقة رغم أن الوزير الخاضع للترشيق كان أخف الوزراء وزنا في حكومة الرئيس عون الخصاونة.


أتحدث عن وزير الشباب والرياضة السابق محمد نوح القضاة الذي طاله الترشيق حصريا دون غيره ليس هو فقط بل وزارته أيضا التي إختفت من الخارطة.

المفارقة أن الوزير الشاب المثير للجدل وهو بالمناسبة داعية شاب نزل من حافلة الحكم والحكومة فيما عمان تمتلىء بلافتات ملونة عملاقة تحمل صورته إلى جانب نخبة من صور العلماء والشايخ ضمن حملة عامة دعوية إسمها {اركب معنا}.

بصراحة أنا شخصيا أقرأ لافتات اركب معنا يوميا وعدة مرات لانها في طريق عبوري ما بين المنزل والمكتب ولم أكترث يوما بالحملة ولم يتحرك فضولي لكن بالصدفة يمكنك إكتشاف {ألذ} ما في البيروقراطية الأردنية عندما تشاهد صورة الوزير الشاب الذي نزل بقسوة هو ووزارته وكأنهما تلاشيا من حافلة الحكم والإدارة فيما لا زالت حملته في الشوارع تدعو المواطنين للركوب مع الوزير المستقيل وضيوفه مثل الداعية طارق سويدان.

الواضح اليوم أن وزارة الشباب والرياضة برمتها ترجلت زحفا على الأقدام مع أن وزيرها صاحب شعار {اركب معنا}..لا يهم تحصل هذه المفارقات في أي بلد تكون التسلية الوحيدة لنخبه وشعبه هي تشكيل أربع حكومات بأقل من عام ونصف دون أن يدري أي وزير لماذا عين ولماذا غادر أصلا؟

ولان المرأة مكون أساسي في المجتمع نسيها القوم عند تشكيل الوزارة الأخيرة ولولا اقتراح بيروقراطي عبقري من أحدهم لما فرح الأردنيون لأول مرة بولادة {نصف حقيبة} بإسم المرأة سميت وزارة الدولة لشؤون المرأة وكلمة الدولة عندما تقترن بأي وزير في الأردن لا تعني في الواقع إلا تمثيلا جغرافيا ومكتبا وسكرتيرة مع سائق بدون وزارة أو عمل أو حتى مقر وكادر .. إنها طريقة أردنية بإمتياز في إحترام المرأة وتقديرها.

أحد وزراء الدولة إشتكى لي شخصيا مرة من أنه يطلب موعدا مباشرا مع رئيس الوزراء منذ أكثر من شهر دون حصول إستجابة وعندما سألته عن سبب الموعد أصلا قال: أريده أن يعرف بأن لدي طاقة كبيرة وأريد أن يوفدني إلى جهة أو يجعلني أتحدث مع أحد بإسم الحكومة .. أضاف: أريد أن أفعل شيئا أهم قليلا من الإطلاع على البريد والتقارير.

ولا تقف المفارقات عند هذا الحد فمحاضر جامعي متخصص بالقانون أصبح وزيرا للتنمية السياسية ووزير شباب سابق أصبح وزيرا للعمل ورجل سبق أن كان وزيرا للزراعة أصبح وزيرا للبرلمان ووزير التربية والتعليم نفهم من فيس بوك أن سيرته الذاتية تضمنت العبارة التالية{ برع وأبدع في علم البيطرة} وتحول أحدهم في مقعده الوزاري الأزلي من وزارة النقل إلى وزارة الطاقة حيث ينتقل الرجال من تخصص وقطاع إلى آخر ببساطة ولان الأصل في المسألة محاصصة الجغرافيا ليس أكثر.

.. مسألة أخرى تبدو سرا: أحد الوزراء السابقين شرح لي بأن الورقة الأولى التي يوقعها الوزير الأردني الجديد بعد أداء اليمين الدستورية هي ورقة غير مؤرخة تحتوي توقيعه الشخصي على الإستقالة وهي ورقة يوزعها على الطاقم موظفون في رئاسة الحكومة في اليوم الأولى لدوام أصحاب المعالي والهدف واضح وهو قصقصة ريش الوزير مبكرا وإقالته بأي وقت يتمرد فيه.

عموما في بلادي الفقيرة التي عجزت فيها الحكومة عن إجراء إنتخابات البلديات في زمن الربيع بسبب عدم وجود مخصصات مالية يحصل أي وزير في أي وقت على راتب تقاعدي {فل أوبشن} حتى لو بقي وزيرا ليوم واحد فقط ..لذلك يتصارع ويتنافس القوم ويتزاحمون على حمل حقيبة أي حقيبة حتى لو كانت حقيبة شوكولاتة مع لقب معالي، ولذلك إقترح أحدهم من كثرة تغيير الحكومات تسمية الشعب الأردني بـ{صاحب المعالي .. أيها الشعب الكريم}.

طبعا راتب الوزير أثناء الدوام وبعد التقاعد لا يقل عن رواتب الدول النفطية ويقول خبراء بأن التقاعد والراتب لا يقلان عن أربعة الاف دينار أردني مما يعني 180 الف دولار شهريا يضاف لها مثلها تقريبا من هنا وهناك على شكل {تزبيطات} للحفاظ على هيبة أصحاب المعالي وتحسين مستوى معيشتهم .. النتيجة مبلغ كبير على الخزينة في بلد بلا موارد ومديونته شارفت على الوصول إلى 20 مليار دولار أو بلد يخلو من السوائل الثلاثة على حد تعبير أحد السفراء الأصدقاء ويقصد النفط والغاز والماء.

ولان المسألة منتجة ماليا قاتل أعضاء البرلمان مؤخرا بضراوة لمساواتهم بالوزراء من حيث رواتب التقاعد فحتى لو أصبح المرء نائبا ليوم واحد سيحصل على التقاعد مدى الحياة حتى لو كان نائبا مزورا.

وبعض أعضاء البرلمان في الواقع سيحصلون على رواتب تقاعدية نظير تخصصهم في تضليلنا نحن المواطنين وتجاهل حقوقنا وأحيانا نظير شتمنا، ومن الواضح أن الوزراء يحصلون على إمتيازات أكبر لانهم متخصصون أكثر في مهام مماثلة.

..هذه الرواتب الضخمة تدفع في بلد معدل الوزارة فيه لا يزيد عن سبعة أشهر من كثرة التقلبات وشعبه جائع بنسب كبيرة والأسعار فيه تشتعل كما لم يحصل من قبل والأهم ميزانيته في خطر وشركاته الكبرى مهددة بالإفلاس وإنتخاباته البلدية تتأجل بسبب عدم وجود مخصصات.

خطرت في ذهني فكرة لعوبة تتضمن أن تتعدل تشريعات الإنتخاب بحيث يعمل عضو البرلمان بلا راتب أصلا ويعلم مسبقا أنه لن يحصل على رواتب تقاعدية وسيحصل فقط خلال النيابة على راتب الكفاف مع تعهد الدولة بنفقاته الإدارية والهدف تحسين نوعية نواب البرلمان والتركيز على شخصيات راغبة في الخدمة العامة ولا تبحث عن الإمتيازات فقط.

بالنسبة للوزراء المسألة أبسط ولو كنت مسؤولا في الدولة لإقترحت على الديوان الملكي نشر إعلانات في الصحافة الرسمية التي تقرأ فيها صفحات الوفيات فقط أطالب فيها بشخصيات مهنية تتميز بالكفاءة ولديها الإستعداد للحصول على لقب معالي مجانا بدون إمتيازات ..هذا سيصبح إختبارا حقيقيا للولاء الجذري وقصة التكليف بدون تشريف ووجاهات واجزم شخصيا بأني أعرف مئات الشباب الوطنيين المستعدين تماما لإلتهام الخبز الحاف مقابل الخدمة العامة في وزارة شعبية تمثل الناس وهو إقتراح يفيد من جانبين فهو يخلصنا من وزراء الحمولة الزائدة ويوفر مالا على الخزينة يمكن إستثماره في إتجاهات أخرى أكثر إنتاجية.

إكتشف احدهم مثلا بأن المخصص المنفق يوميا لصالح خدمات الطعام والشراب لمكتب رئيس الوزراء في عهد إحدى الحكومات بلغ 1500 دولار يوميا ..بالنسبة لي لو إلتهمت طعاما راقيا بربع هذا المبلغ لحولت جامعة اليرموك إلى السوربون على الأقل ولأرسلت الغاز المسال للأردنيين عبر الأنابيت بدلا من إسطوانات الغاز التي تهلك الأكتاف عند حملها أو على الأقل لوضعت الجامعة الأردنية في المرتبة 499 على مستوى العالم بدلا من المستوى 500 الذي تحتله منذ سنوات.

صديق مسيس طرح مرة مفارقة مضحكة عندما قال : يا ناس سيارات الإسعاف في مستشفيات الحكومة لا تعمل وإذا عملت ستحتاج {للدفش} وغالبيتها متهالكة ومن أيام السبعينيات أما السيارات المستوردة خصيصا كرادار لمراقبة سرعة المركبات فهي كالصاروخ ومن أحدث موديل وطراز ولا يفلت منها أي مواطن يتجاوز السرعة القانونية بينما توفي أحد المواطنين يوما في غرفة الخزين بأحد المستشفيات بعدما نسيه الممرضون هناك ليومين .

طبعا صديقي صاحب النكتة مواطن سوداوي ومندس وعلى الأغلب إخترقه المشروع الصهيوني مبكرا فهو ينسى بأن سيارات الرادار وظيفتها جباية المال من جيوب المواطنين لتوفير مخصصات تدفع لأعضاء برلمان نجحوا بالتزوير أو لوزراء يضطرون ـ يا حرام- لإلتهام طعام جاهز من أحد أرقى وأغلى مطاعم العاصمة خلال الدوام الرسمي بعد التضحية بوقتهم الثمين ووقت عائلاتهم لصالح العمل والإنشغال في خطط ومشاريع متعثرة.

وبكل الأحوال يحتاج أي معالي لأي وزارة لسيارات ومواكب وسفرات ورحلات وسائق وطاقم سكرتاريا ولا يمكنه حرصا على هيبة الحكومة عند الناس إلا ركوب سيارة عصرية جدا وذات دفع رباعي ولونها كحلي او أسود أما رئيس وزراء الدانمرك الذي نشر الصديق مالك عثامنة صورته وهو يدخل مقر رئاسة الحكومة على دراجة هوائية فهو أيضا مندس وصهيوني ومتآمر على الأردنيين لانه يتجرأ على ممارسة الحكم مباشرة بعد وضع دراجته البائسة في مرآب مكتبه المتواضع .. لا يمكنه أن يكون رئيسا حقيقيا للوزراء مادام يتنقل بهذه الطريقة.

الوزير في بلادنا يعني رجلا كشخا لا يضحك للرغيف السخن دائم التذمر من كثرة العمل وتجتاح قسمات وجهه إشارات التعب والإرهاق حسرة على مصير الأمة وإنشغالا بقضاياها ولان الوقت نادر في حالتنا لا يستطيع وزيرنا التنقل بدراجة هوائية ولا بد من الدفع الرباعي على الأقل.. ماذا لو شقلبت العجلة وإنقلب معاليه على ظهره أو إنثقب الإطار؟.. هل يليق ذلك بهيبة البلاد والعباد ؟ وكيف نجازف بمصالح المواطنين والوطن؟.

بإختصار ومن الآخر الوزراء في بلادنا لا يعرفون كيف ولماذا وعلى أي أساس يصبحون وزراء ؟ ..لا يعرفون متى ستؤخذ منهم الحقيبة الغالية وسيلقى بهم بالشارع أو متى ستقصف أعمارهم ؟... هذه حقيقة يعرفها الجميع وهي وحدها كفيلة بتفسير الكثير مما يجري ووحدها تشكل سببا وجيها لكي يخرج المواطنون للشارع فالشعار الوزاري هو {اركب معنا ..لا تسأل واستمتع بالرحلة لكن دعم القيادة لنا}.


بسام البدارين / القدس العربي


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة