لا ينجح ساسة لبنان وخصوصاً الطبقة الحاكمة أو المتحكمة في بلاد الارز، في تطبيق سياسة «النأي بالنفس»، التي اخترعوها او توافقوا عليها وبخاصة بعد اندلاع الازمة السورية، التي ساهمت في إشعالها وصب الكثير من الزيت عليها احزاب وجمعيات اسلاموية لبنانية واخرى مرتبطة بأجهزة استخبارية إقليمية ودولية، من اجل تصفية «حساباتها» مع النظام السوري، الذي بشّرنا هؤلاء بانه آيل للسقوط قبل نهاية العام 2011، حتى ان سعد الحريري قال مُتبجِّحاً: انه سيعود الى لبنان عبر مطار دمشق الدولي. وهو امر لم يتحقّق ولن يتحقّق وربما يخسر الحريري مستقبله السياسي بعد خسارة امواله (باعترافه)، ليس فقط قبل ان «يسقط» النظام السوري بل بِحدوث تغيير دراماتيكي في المشهد اللبناني، يطفئ نجمه السياسي الذي لمع فجأة، ويطوي نهائيا عملية التكاذب والتحالف القائم مع انعزاليي لبنان وعلى رأسهم سمير جعجع، تزامناً مع انحسار الحضور والنفوذ المُتضخِّم والمُصطَنع الذي اقامه لنفسه وليد جنبلاط، وبخاصة بعد ان «أورث» نجله تيمور، زعامة الحزب الذي قاده وريثاً منذ اربعة عقود، والذي لا هو تقدمي ولا اشتراكي، إلاّ باليافطة المُعلّقة على مقره ومعقله في جبل الشوف.
ما علينا..
فشِل ساسة لبنان في انتهاج سياسة مغايرة لتلك التي واصلوا اللعب على هوامشها، عندما كان سائداً الوَهْم بأن لبنان هو مختبر الاقليم وبيضة قبّان موازين القوى في المنطقة، وجاءت الازمة السورية (دع عنك اغتيال رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 و»الفرصة» التي تهيأت للقوى الإنعزالية، وتلك التي تتلقى اوامر العمليات من الخارج) فرصة أُخرى، لتمنح هذه «الطبقة» التي لا تتنازل عن امتيازاتها وتواصل عملية التحريض والتعبئة الطائفية والمذهبية، كي تُبقي على مصالحها المالية والعقارية، وعوائد سمسرتها السياسية والاقتصادية وخدماتها الأمنية والإعلامية.
بعد إنحسار تأثير ودور الجماعات الارهابية السورية (وغير السورية) التي وجدت دعما غير محدود من قبل القوى الرجعية والطائفية والمذهبية المتعددة في لبنان الولاءات والمرجعيات، سواء كانت إسلاموية أو مسيحية، فإن مسألة «اللجوء السوري» بدت لبعض هذه القوى مناسبة بل فرصة، لإعادة انتاج خطابها العنصري المحمول على خطاب إعلامي يغذي الكراهية للاجئين السوريين، ويُحرِّض على طردهم وعدم السماح لهم بالإقامة (ولو المؤقتة) على الاراضي اللبنانية، وهناك من استغل هذه الاجواء، كي يُحوِّل مخيمات اللجوء السوري وبخاصة في منطقة عرسال على الحدود اللبنانية ذات الاغلبية السُّنية، والمتاخمة لمنطقة القلمون السورية، الى معسكرات تدريب وملاذات آمنة للارهابيين السوريين، وعلى رأسهم جبهة النصرة وداعش واحرار الشام وغيرها من المنظمات التكفيرية، التي لم تتورّع عن استباحة لبنان ونشر الفوضى والتفجيرات الانتحارية في مدنه وقراه، وخاصة الضاحية الجنوبية لبيروت والمناطق الشيعية تحديداً، في محاولة لتحويل لبنان الى ساحة «جهاد» اخرى ضد الروافض وداعميهم من «الفرس والصفويين»، وغيرها من تلك التسميات والأوصاف التي يبرع في اختراعها وترويجها، الارهابيون ودعاة الفتنة والفوضى والخراب في المنطقة.
تحوّلات «الميادين» السورية أبرزت مشهدا جديدا، ليس فقط منذ ان استعاد الجيش السوري والقوات الحليفة والرديفة وفي وقت مُبكر من الازمة مدينة «القصير» الاستراتيجية، ما أفشَل محاولات «دمج» الساحتين السورية واللبنانية، للإسهام في تحويل لبنان وبخاصة مناطقه الحدودية الى جبهة مساندة للإرهابيين، وانما ايضا بعد تحرير معظم منطقة القلمون من الارهابيين، وبدء عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم بأعداد خجولة ثم تحوّلت الى «ظاهرة» في ظل حملات التنكيل والإذلال والتضييق التي تمارسها اطراف «اهلية» واخرى رسمية بحق اللاجئين السوريين، ما حوّل حياتهم الى جحيم، ناهيك عن الاستغلال الذي لا يتوقف لقواهم العاملة وحظر عملهم ورفض تأجيرهم المساكن في بعض المناطق، علماً ان احصائيات لبنانية ودولية محايدة، تؤكد مساهمة لافتة للاجئين السوريين في الاقتصاد اللبناني، استثماراً وعملاً وقيمة مُضافة، بل ان قيمة ما يدفعه السوريون من ايجارات سنوية للمساكن في لبنان، بلغ نحو 400 مليون دولار.
«الهجرة المعاكِسة» التي بدأ اللاجئون السوريون يفرضون ايقاعها على دول الجوار السوري وبخاصة في لبنان وتركيا، دفعت بعض القوى السياسية والحزبية الى المطالبة باجراء حوار وتنسيق بين بيروت ودمشق لتنظيم هذه العملية، واستغلال لبنان الفرصة المُتاحة للتخفيف من «عبء» اللجوء السوري، الذي لا يتوقف كارهو السوريين.. شعباً ونظاماً، عن التذرّع به، للتغطية على تنكيلهم واستغلالهم وكراهيتهم للاجئين السوريين.
هنا ثارت ثائرة القوى الإنعزالية والطائفية والمذهبية، فرفعت عقيرتها رافضة اي «تواصل أو تنسيق»مع النظام «المجرم» الذي يسعى للبحث عن «شرعية» يمنحها له لبنان (يا..للهول)، وكان جعجع والحريري وجنبلاط ومن لفّ لفهم، في مقدمة هؤلاء الذين أظهروا تذاكياً لافتا، عندما «اقترحوا» ان تُناط «المسألة» بالأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين فيها، وهو امر ترفضه دمشق وتُصرّ على ان المسألة ثنائية بين البلدين، ولا دخل للأمم المتحدة.. فيها.
ثم جاءت «حادثة» مصرع نحو من عشرة لاجئين سوريين تحت التعذيب (على ما قالت اوساط لبنانية واخرى سورِية لاجِئة) بعد اقتحام الجيش اللبناني لمخيم عرسال ومطاردته لارهابيي وانتحاريي داعش والنصرة، لتزيد من الشرخ الافقي والعامودي في لبنان، ولتضع الجيش اللبناني في «مرمى» الاستهداف، بين مَن يُطالِب بالتحقيق الشفاف والنزيه لمصلحة الجيش وسمعته اولا، وإحقاقا للحق والحقيقة، وبين مَنْ يواصِل العيش في حال الإنكار ويسوِّق رواية غير قابلة للتصديق ما دام التحقيق لم يبدأ، وهي ان هؤلاء البؤساء انما قضوا نتيجة «امراض مزمنة» تفاعَلت نتيجة «الاحوال المناخِية» قبل بدء التحقيق معهم.
...ما يحدث في لبنان، يُنبِئ بأن الطبقة الحاكمة في هذا البلد، لا تريد ان تنسى ولا تريد ان تتعلّم او تستخلص الدروس والعِبر، مما حدث ويحدث في المنطقة، وخصوصاً من»مَكْرٍ» للتاريخ... والإقامة الدائمة لِديكتاتورية الجغرافيا.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو