السبت 2024-12-14 03:59 ص
 

لماذا نعارض تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية؟

09:21 ص

حقق الأردن تقدماً في مؤشر 'مراسلون بلا حدود' بحرية الإعلام، فالتقرير الذي يصدر سنوياً في باريس أظهر تقدماً بـ6 درجات ليحل بالمرتبة 132 بين دول العالم.

اضافة اعلان


تقاطعت نتائج تقرير 'مراسلون بلا حدود' مع تقرير حالة الحريات الإعلامية للعام 2017 الذي أصدره مركز حماية وحرية الصحفيين، فلقد أشار التقرير الذي يصدر منذ 17 عاماً إلى أن 'الانتهاكات الجسيمة' التي تعرض لها الإعلاميون بالأردن قد تراجعت نسبتها من المجموع الكلي للانتهاكات إذا ما تم مقارنتها بالسنوات الماضية.


ولفت التقرير إلى أن جهات إنفاذ القانون بالأردن لم ترتكب أي اعتداء جسدي بحق أي من الصحفيين.
قصص النجاح التي أبرزها التقرير تضمنت توقف إدارة هيئة الإعلام عن إصدار تعاميم حظر النشر التي سادت العام 2016، وسجل لهيئة الإعلام بإدارتها الجديدة عدم التقدم بأي شكوى قضائية بحق الصحفيين العام 2017.


بالتأكيد هذه الإيجابيات تقابلها تحديات عديدة أبرزها استمرار الانتهاكات غير الجسيمة، وخاصة أوامر منع التغطية التي تزايدت بشكل لافت العام 2017، وشعور الصحفيين بأن التشريعات مقيدة لهم.


كنت أعتقد أن الحكومة بعد هذا التقييم الإيجابي دفنت فكرة تعديل قانون الجرائم الإلكترونية لأكثر من سبب؛ أبرزها أن القضية الأساسية 'خطاب الكراهية' مشكلة عالمية تعاني منها كل دول العالم، وحتى الآن لا توجد وصفة سحرية جاهزة تنهي هذه الظاهرة، التي بدت أكثر وضوحاً مع شيوع وسائل التواصل الاجتماعي.


وكنت أعتقد أيضاً أن الحكومة أدركت، على مر السنوات الماضية، أن اللجوء لأسهل الطرق، عبر تعديل التشريعات وتغليط العقوبات لا يحل المشاكل، فقد عدلت منذ 2012 قانون المطبوعات والنشر وأكدت بالأسباب الموجبة أن الهدف هو الحد من جرائم القدح والذم، وأستطيع أن أزعم بعد 6 سنوات أن قضايا المطبوعات والنشر لم تتراجع.


بصراحة، كان تقديري بأن الحكومة تراجعت عن تعديل القانون خاطئاً، فلقد تم توظيف خلافات بين مكونات مجتمعية، وما صاحبها من نشر إشاعات على السوشيل ميديا لإقرار القانون، وعلى الأرجح سيعرض على الدورة الاستثنائية للبرلمان.


لم تحظ التعديلات المقترحة على قانون الجرائم الإلكترونية الذي يمس ملايين المستخدمين للسوشيل ميديا بنقاش مع الخبراء، أو بحوار مجتمعي، وعلى الغالب فإن الحكومة تريد أن تمرره بهدوء في البرلمان المنشغل في الصراع والشد والجذب على قانون ضريبة الدخل.


قلنا للحكومة سابقاً ونعيد النصيحة بأن التوقيت لإقرار مثل هذا التعديل سيئ جداً، فالأردن يتوجه في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) للمراجعة الدورية الشاملة (UPR) بمجلس حقوق الإنسان بجنيف، وهو مطالب بتحسين وإجراء تعديلات تشريعية تدعم حرية التعبير والإعلام، وليس التوجه لفرض قيود جديدة عليها، ومثل هذا المشروع لو أقر سيكون مادة دسمة لانتقاد الأردن.


نرفض تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية ولا نجد ضرورة له، فهناك مظلة تشريعية كافية لتجريم خطاب الكراهية، وبالبرهان تم ملاحقة أشخاص سابقاً بموجب قانون العقوبات.


أهم إشكالية في مقترح القانون المعدل هي تعريف خطاب الكراهية، فهو تعريف لا يتوافق مع المعايير الدولية ويتجاهل النقاش العالمي الدائر حول هذه القضية، كما أنه تعريف ملتبس، وغير منضبط، وقد يستخدم للضغط وتقييد حرية التعبير والإعلام.


لم تلتفت الحكومة عند وضعها لمقترح التعديل إلى الرؤية الدولية لخطاب الكراهية، ولذلك لم نستشعر اطلاعها على 'مبادئ كامدن' التي أطلقتها منظمة المادة (19)، ولم تراعِ 'خطة الرباط' 2012 التي أعدتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان بعد سلسلة حلقات عمل إقليمية للخبراء لتدارس 'التحريض على الكراهية'، وتعد أفضل وثيقة لاستراتيجية مكافحة خطاب الكراهية.


إن مر قانون الجرائم الإلكترونية المعدل من البرلمان بصورته الحالية، فسينتج أزمة سياسية ومجتمعية لا حدود لها، فالقانون المقترح يقضي بعقوبة السجن من سنة إلى ثلاث سنوات على من يثبت استخدامه لخطاب الكراهية، مع غرامة من 5 إلى 10 آلاف دينار، وهذه عقوبات قاسية قد تقع بحق العديد ممن يعبرون عن أنفسهم، كما أن هذا التعديل سيفتح الباب لعشرات القضايا يومياً، ما يرتب أعباء كبيرة على القضاء.


شخصياً أقف بصورة صارمة ضد التحريض والدعوة للكراهية، ولكني أخشى على حرية التعبير في بلدي وأعتقد أنها أجدر بالحماية والرعاية. وأخيراً أدعو 'العقلاء' بالدولة للتبصر والتروي قبل إقرار تعديلات قد تخلق عاصفة نحن في غنى عنها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة