الأحد 2024-11-10 06:24 م
 

أبشع من جریمة قتل نیبال

08:13 ص

مرتكب جریمة قتل الطفلة نیبال، بكل ما فیھا من خسة وبشاعة، لا یمثل قیم مجتمعنا، فمثلھ كثیرون في دول العالم؛ أشخاص مرضى ومنحرفون، وتجار أطفال یرتكبون جرائم بحق الأبریاء الصغار تھز الوجدان الإنساني.

اضافة اعلان


لكننا بالرغم من إقرارنا بھذه الحقیقة، تبقى في نفوسنا حسرة على مجتمعنا الذي عشنا فیھ لعقود طویلة وتربینا على قیم المحبة والألفة الاجتماعیة.


الحارة الصغیرة كانت مصدر قوة واعتزاز ونخوة، یھب كبارھا لمساعدة صغارھا عندما یواجھون موقفا عدائیا أو یطلبون خدمة ورعایة.


التحولات الاجتماعیة الاقتصادیة الھائلة بدلت الواقع، ولم یعد ممكنا الركون لتقالید الماضي وقیمھ، وتلك مسؤولیة تقع على عاتق الأسرة لتأمین الحمایة الدائمة لأطفالھا، وتوفیر بیئة آمنة لھم في كل الظروف.


 الأھمال الأسري یعد السبب الرئیسي لحالات فقدان الأطفال ووقوعھم في أیدي المنحرفین، أو استغلالھم جنسیا وتوریطھم في قضایا المخدرات وھم في سن المراھقة.


وفي حادثة قتل الطفلة نیبال سجلت ممارسات اجتماعیة مقلقة، كان میدانھا وسائل التواصل الاجتماعي سیئة الصیت، تمثلت بالاستھانة العجیبة بمشاعر عائلة الطفلة ونشر معلومات وتفاصیل تتسم بالخصوصیة، ناھیك عن محاولة تضلیل الأجھزة الأمنیة بمعلومات كاذبة، وترویج الإشاعات عن عملیات خطف متكررة للأطفال، دفعت بمدیر إحدى مدیریات التربیة إلى إصدار تحذیر مبالغ فیھ للأھالي جلب ردود فعل معاكسة للھدف المنشود.


ما كان لوسائل الإعلام من صحف ومحطات تلفزة أن تنشر صورة الطفلة الضحیة لولا أن عائلتھا بادرت إلى نشرھا أولا، لكن بعض المنصات والمواقع لم تتردد في كسر الأعراف المھنیة والأخلاقیة بنشرھا صورا للطفلة متوفاة. ھذا انتھاك صارخ لحقوق الضحایا والأطفال والتي تحظر على وسائل الاعلام نشر صورھم في القضایا الجنائیة دون موافقة الأھل.


یمكنني تصنیف ھذه السلوكیات بوصفھا عملیة سطو إعلامي على مكانة الضحایا وأسرھم  وحیاتھم، واستھانة بمشاعر المقربین، وتحریض على ارتكاب أعمال انتقامیة تجر مزیدا من الجرائم، وھذا ما حصل من ردود فعل عشائریة بعد الكشف عن جریمة القتل.


المجتمعات المتقدمة تواجھ مثل ھذه الجرائم البشعة بحملات تضامن مع أسر الضحایا، وتقدیم الدعم المعنوي والنفسي، وتخلید ذكرى الأطفال الضحایا بطرق حضاریة، تساھم في تعمیق الوعي الاجتماعي لمنع تكرار مثل ھذه الجرائم، والضغط على السلطات لوضع برامج مراقبة لمرتكبي الجرائم خارج السجون، واخضاعھم لبرامج علاجیة، وإخضاع سلوكھم للفحص المستمر.


والحادثة مناسبة أیضا لتنظیم حملات توعیة للأھالي والكوادر التعلیمیة في المدارس، لتأمین وسائل حمایة دائمة للأطفال تجنبھم خطر المنحرفین والمتنمرین وأصحاب السوابق المرضى ومتعاطي المخدرات.


یصاب المرء بالدوار وھو یطالع تفاصیل الجریمة التي وقعت للطفلة البریئة والجمیلة نیبال، ویتساءل في قرارة نفسھ، أي نفس بشریة تقدم على بشاعة كھذه. إن مشھد طفل یبكي في الشارع قد یدفع الواحد منا للبكاء أحیانا من شدة التأثر، فكیف لبني آدم أن یقدم على ضربھ وقتلھ والأدھى من ذلك التفكیر بارتكاب جریمة اشنع بحقھ.


نعجز كأناس عادیین عن فھم ھذا السلوك لكن العلم قدم إجابات وافیة عن ھذه الفئة الخارجة عن طور البشریة. وما یحصل حولنا من تغیرات اجتماعیة متسارعة یفسر الكثیر من السلوكیات غیر المألوفة والصادمة. الدنیا من حولنا تغیرت للأسوأ.

 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة