الأحد 2024-12-01 05:26 ص
 

الإنسان البُرغي!

07:34 ص

-1-
بلا أي تباه ولا فخر كنت من أوائل جيلي الذين التحقوا بقبيلة «الديجيتال» واستغنيت بشكل شبه كامل عن الورق، وبدأت باستعمال الكمبيوتر للكتابة أيام جهاز الأبل الصغير، وبرنامج الكتابة المعروف باسم «رتيش تكست» و «النص البسيط» وأذكر أنني بدأت باستعمال المحادثة والدردشة النصية والصوتية عبر الإنترنت، بتطبيقات ياهو مسينجر وهوتميل، وغيرهما منذ نحو عقدين من الزمن، وكنت شغوفا –وربما ما زلت!- باقتناء واستعمال احدث الأجهزة والتطبيقات والتحديثات الخاصة بالتواصل الإلكتروني، قبل أن يُخلق جيل اليوم، لا أقول هذا من باب الفشخرة والتعالي، لا سمح الله، بل لأدلل على «عمق» تجربتي مع الأتمتة والتقنية الرقمية، والتي قادتني إلى نفور عميق منها، وما يشبه «الفوبيا» من كل ما يتعلق بها، بعد أن بدأت أشعر بكثير من الاستلاب وحتى الاستعمار والعبودية لكل ما يمت بصلة لها، بل صرت في شوق عظيم لاستعمال هاتف غبي جدا «أبو لوكس» بديلا عن هاتفي الأيفون سيكس بلاس، الذي بدأت أنظر إليه باعتباره عدوا لدودا سلبني أعز ما أعتز به من خصوصية حميمة، وهدوء، وراحة بال!

اضافة اعلان


-2-
منذ صباح هذا اليوم (أمس) وتحديدا بعد صلاة الفجر، وأنا أقرأ وأسمع وأشاهد عن شيء جديد ليس بالنسبة لي بل ربما للكثيرين، يسمونه العملات الافتراضية، ودافعي لهذا تسجيل صوتي لأحد خبراء المال استمعت إليه منذ فترة يتحدث عن قرب اندثار وانهيار العملات الورقية، كما اندثرت وانهارت أو كادت الصحف الورقية، والكتب الورقية، وبقية الورقيات من سجلات وحسابات و»مسودات» للكتابة، ما أثارني في التسجيل هو خوف قديم من سيطرة قوة غاشمة وسرية تديرها أصابع افتراضية ربما(!) تسيطر على كل شيء في هذا العالم، بمشاعر متبلدة مليئة بنسبة عالية من التوحش والرغبة في الكسب والسيطرة، و»تعبيد» الناس لها، بحيث يصبحون مجرد «براغي» في آلة تديرها هي ، وتخدمها هي دون غيرها، وزاد من دهشتي أكثر كثرة الإعلانات التي تبثها المؤسسات المختلفة لاستبدال الدفع بالنقود عبر الدفع إلكترونيا، فلا أنت دفعت ولا هو استلم عمليا، كل ما هنالك أن ثمة عملية تحويل تمت عبر دفع افتراضي، من... إلى، وهي فكرة العملة الافتراضية التي بدأت تنتشر «موضتها» على نطاق واسع جدا في التعاملات المالية الدولية، فهي مجرد برنامج حاسوبي أو تطبيق يخول سين من الناس التعامل المالي مع طيف لا محدود من البشر عبر هذه العملة التي هي ليست عملة فعلا، بل شيء ما، عبر خوارزمية مشفرة، وعدد كبير من عمليات البيع والشراء، دونما مال حقيقي، وكنت كلما قرأت أكثر عن هذه العملات، وأشهرها الـ «بيتكوين» ((Bitcoin ازداد الصداع في رأسي، وبدأ يدور ويلف أكثر، خاصة وان كل صفحة تدخلها تحيلك على صفحة أكثر تخصصا في تعريفك بهذا العالم «الافتراضي» وما هو بافتراضي، فكما يبدو لي صار عالمنا «الواقعي» افتراضيا فعلا، وتحول الافتراضي إلى واقعي، فنحن «الواقعيون» مجرد وهم، أو كم مهمل، نتحرك بأوامرهم، وندور حيث يدورون، وأصدقكم القول أنني بدأت اشعر بالسعادة لاقترابي من إكمال عقدي الستين، هذا يعني ببساط أنني لن أعيش كي أرى مزيدا من «التوحش التكنولوجي» ومزيدا من سيطرة تلك القوة الخفية المعروفة على كل شيء في حياتنا!


-3-
انتهى عصر الإنسان الدودة، الذي يبدأ حياته بقامة شامخة، ثم يبدأ السير في مسلسل معقد وطويل من التنازلات والإنحناءات، والبوبزات والقرمزات حتى يصل إلى مرحلة يتحرك فيها زحفا على بطنه كالدودة، وبدأ عصر الإنسان البُرغي، وعظم الله أجركم بإنسانية يتحكم بها نظام كوني يديره وحوش بلا مشاعر إلا الرغبة بالربح والسيطرة والاستعباد!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة