باقتراب استحقاق الثلاثين من تموز الجاري، بما هو الموعد الذي حدّده الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة تحل محل البرلمان وتتولى صلاحياته، وهو الأمر الذي يقلق المعارضة الداخلية المدعومة من واشنطن وخصوصاً من الكنيسة الفنزويلية الكاثوليكية، الا انها اختارت – وهذا ليس صدفة – الإنحياز لِصفوف المعارضة الليبرالية واصحاب رؤوس الأموال والكمبرادور المرتبط بمراكز الرأسمالية العالمية، وخصوصاً رفضه لحكومة اليسار البوليفاري الحاكم في فنزويلا، كامتداد لحكم الرئيس الراحل هوغو شافيز، حيث خلفه نائبه مادورو عندما فاز في الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل اربع سنوات (2013) بنسبة وصلت الى 52% تقريبا، مقابل مرشح المعارضة الذي لم يتجاوز الخمسين بالمئة، لكن المعارضة لم تقبل قرار الشعب الفنزويلي وخياره الديمقراطي بدعم خليفة شافيز، فراحت تضع العراقيل امام خطط الحكومة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بعد الانخفاض الكبير في اسعار النفط، وهو المصدر الوحيد تقريباً للخزينة التي اقتربت من حدود الافلاس، بعد الاستنزاف الكبير لمواردها الاساسية وتلاعب الرأسمالية الفنزويلية في اسعار السلع الأساسية، ما زاد من نقمة الجمهور الفنزويلي على حكومة مادورو، التي اصابها الارتباك والذعر ازاء ارتفاع وتواصل موجات الاحتجاج ونجاح المعارضة منذ نيسان الماضي في فرض اجواء من الانقسام الوطني على الشارع الفنزويلي، مستغلة ارتفاع اسعار السلع وتآكل قيمة الرواتب والأجور والارتفاع الفلكي في نسبة التضخم، ما وضع البلاد أمام احتمالات مائلة لاندلاع حرب أهلية، قد تفضي الى خراب فنزويلا واستدراج تدخلات خارجية، تبدو الولايات المتحدة – اكثر من غيرها – وبخاصة في عهد ترمب، متلهفة لحدوثها، كي تعيد «كراكاس» الى بيت الطاعة الاميركي، الذي خرجت عليه منذ بزغ نجم تشافيز وفشل محاولات الانقلاب عليه، ولعبه (تشافيز) دوراً مركزياً في عودة اليسار اللاتيني الى الحكم في اكثر من دولة اميركية جنوبية، وعبر صناديق الإقتراع... وحدها.
لواشنطن، كما هو معروف تاريخياً، حساب مفتوح مع اليسار اللاتيني بأسره، سواء اتّخذ المثال الكوبي نموذجاً لنضاله، ام قَبِلَ قواعد اللعبة الديمقراطية ونزل الى الشارع طالباً التفويض الشعبي لمزاولة الحكم وتطبيق برنامجه، الذي لم يتخلَ يوماً عن ملامحه الاشتراكية وانحيازه للطبقات الفقيرة وذوي الدخول المحدودة، واستعداد «الدولة» للقيام بوظيفتها الاساسية تجاه هؤلاء وخصوصاً في تأمين الطبابة والتعليم ومشروعات التنمية ، بعد ان نجح الصندوق والبنك الدوليين وخصوصاً منظِّرو مدرسة شيكاغو وتلاميذ ميلتون فريدمان في «إقناع» الطبقات الحاكمة (اقرأ التابعة) في تلك الدول، بانتهاج سياسة السوق المفتوحة والتخلي التدريجي عن الدور الاساس المنوط بالدولة لصالح «المنافسة» وغيرها من التبريرات البراقة، التي لم تعد إلاّ بالخراب والفشل على تلك الدول التي اتّبعَت «تعاليم» منظمة التجارة العالمية وقواعد العولمة، المفضية بالتالي الى تعاظم قوة وشراسة القوى النيوليبرالية والرأسمالية المتوحشة.
ما علينا..
فشلت المعارضة رغم ما احرزته من نقاط وخصوصاً في استمالة الكنيسة الكاثوليكية الى جانبها، بعد ان كانت الاخيرة تنهض بدور الوسيط بين الحكومة والمعارضة بتكليف من بابا الفاتيكان فرانسيس، وباءت كل محاولاتها استمالة الجيش والشرطة الى جانبها او دفعهما للانقلاب، إلاّ ان ورقة الاستفتاء الشعبي (الرمزي) الذي حاولت المعارضة تخويف حكومة مادورو به، لم يُفضِ الى نتيجة، رغم ترحيب ترمب به وسعيه لتسويقه عبر الزعم»... ان الاستفتاء كان مثابة تعبير متجدّد من الشعب الفنزويلي، لتأييد الديمقراطية والحرية وحكم القانون»، إلاّ ان كلاماً منافقاً كهذا لم يفتّ في عضد حكومة مادورو او شخص الرئيس الذي يخوض معركة قاسية في وجه «كارتل» من الاشرار الذين لا يقبلون الخضوع لقواعد اللعبة الديمقراطية، ويدعون لانتخابات رئاسية مبكرة يتمنون (في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الفنزويليون) توظيفها لإطاحة مادورو وطي صفحة التشافيزية البوليفارية، بعد ان نجحت قوى اليمين المتحالفة مع واشنطن، في إطاحة حكومات اليسار في اكثر من بلد لاتيني.
الملفت في تزامن انحياز الكنيسة الكاثوليكية لصالح المعارضة ، هو عودة الكنيسة الى اللغة الخشبية القديمة، التي برّر فيها رموز الكنيسة اصطفافها الى جانب قوى اليميني الرأسمالي في تلك الديكتاتوريات، بالضد من «مواقف» لاهوت التحرير والإنحياز للشعوب ضد الطغيان، الذي ميز كنائس اميركا اللاتينية.
يقول رئيس المؤتمر الأُسقفي الفنزويلي دييغو بادرون: «إن الجمعية التأسيسية المتوقَّع انتخابها ستُفرَض بالقوة، والنتيجة سيتم ادراجها في ديكتاتورية عسكرية اشتراكية ماركسية وشيوعية».. كلام من الماضي وسلاح صدئ، يظن حاملوه انه قادر على اعادة عقارب الساعة الى الوراء، ما بالك اذا كان مصحوباً بتهديدات «ترمبية» جاءت يوم امس من واشنطن تقول: إن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الايدي بينما فنزويلا تنهار» مُضيفة، انه اذا فرض نظام مادورو جمعيته التأسيسية في 30 تموز، فأن واشنطن ستَّتخذ اجراءات فورية وسريعة».
ردّ مادورو لم يتأخر، وقال في تحدٍ: ان فنزويلا دولة مستقلة لا يحكمها الاجانب.
وإذا ما عدنا الى ما كان هدّد به واشنطن»من ان سيلاً من المهاجرين سيتدفق نحوها، اذا ما نشبت حرب اهلية في بلاده، وان قوى الثورة ستحقق بالسلاح ما عجزت عنه في مواجهة المعارضة»، فإننا نكون أمام مشهد مثقل بالاحتمالات والمفاجآت، اللهم إلاّ اذا تم كبح واشنطن واقناع ترمب بأن غزو فنزويلا او الدخول في مواجهة معها، لن تكون نزهة او لقمة سائغة يسهل ابتلاعها.
انه «بحر» النفط الذي تعوم فوقه فنزويلا... ما يسيل له لعابهم، هناك في....واشنطن.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو