الخميس 2024-11-14 09:59 م
 

حوار عن الطبقة الوسطى

08:47 ص

في حوار مع صديق فرنسي، وهو أستاذ جامعي متميّز، عن الوضع الاقتصادي-الاجتماعي للطبقة الوسطى، وجدنا أنّ الأجور لا تختلف كثيراً بين الشريحتين؛ أردنياً وفرنسياً. فراتبه قرابة 2800 يورو، بما يعادل راتب الأستاذ الجامعي الأردني، ويواجه مشكلة حقيقية في أجرة الشقة بباريس؛ إذ تصل في حيّ شبه شعبي إلى 1500 يورو شهريا (فقط 60 متراً مربعاً). وإذا ما قرّر ترك باريس والعيش في الضواحي (خارج المدينة)، فإنّ الأجرة بالنسبة للمساحة نفسها تنزل إلى قرابة 800 يورو (بحسب المنطقة بالطبع).اضافة اعلان

بالمقارنة، فإنّ أجرة السكن في الأردن تعدّ منخفضة مقارنة بهذا المستوى العالي. لكن ما يعوّض صديقنا هو دخل زوجته الذي يكمل الفراغ. فمتوسط أجور الطبقة الوسطى بهذا المعدل، بينما في الأردن ما نزال نختلف على تعريف الطبقة الوسطى وعلى متوسط دخلها؛ بين دراسة وزارة التخطيط التي تضعها فوق دخل 800 دينار شهرياً للأسرة، والتقديرات الأخرى لخبراء ترتفع بهذا الدخل إلى أعلى من ذلك بكثير، أي ما يقارب راتب الأستاذ الجامعي (في الحدّ الأدنى قرابة 1500 دينار)!
وفقاً لهذه المعادلة، فإنّ الطبقة الوسطى في فرنسا للأسرة، من المفترض أن يصل دخلها حوالي 3000 يورو، إذا ما أخذنا مجموع راتبي صديقنا وزوجته. وإذا افترضنا أسرة مشابهة في الأردن لهذه الأسرة، من حيث الدخل، فإنّ الضغوط على الطبقة الوسطى لدينا ستكون أقل؛ إذ إنّ أجرة السكن عموماً أقل.
لكن هذه النتيجة غير صحيحة وليست دقيقة. إذ إنّ نقطة الضعف الحقيقية في حالة الطبقة الوسطى الأردنية تتمثّل في شبكة الدعم اللوجستي الحاسمة والمفصلية في فرنسا، وكثير من الدول الأوروبية والغربية، وتتمثل في التعليم المجّاني (مدرسياً وجامعياً)، والصحة العامة المتوفرة بصورة ممتازة، وأخيراً شبكة النقل التي توفّر تكاليف كبيرة على المواطن والدولة.
في تلك الدول لا يحتاج المواطن أن يصرف مبلغاً كبيراً، أو أن يوفره، لتعليم أبنائه في المدارس الخاصة أو الجامعات، أو يفكّر حتى في تدريسهم في جامعات خارج البلاد، بما يستنزفه مالياً، وذلك لسبب بسيط هو أن الدولة توفر منظومة تعليم حكومي قوية، ومستشفيات عامة متقدمة على أي طب في المجال الخاص، وشبكة مواصلات رخيصة ومنتظمة ومتطورة.
مثل هذه المعطيات (التعليم، والصحة، والنقل) هي الهاجس الحقيقي والأساسي لأي مواطن أردني من الطبقة الوسطى، وتمثّل الهم الأول والرئيس له، وتستنزف عملياً الجزء الأكبر من ميزانية الأسرة. وإذا أردنا بالفعل حماية هذه الطبقة وتوسعتها، وأن نعزز الاقتصاد الوطني بصورة ناجحة، فلا بد من التركيز على هذه الأولويات بصورة جدية وحقيقية.
بالطبع، من المهم أن تبحث الدولة عن الاستثمار وتعزيزه من أجل زيادة الإيرادات، لكن في الوقت نفسه من الضروري أن نعيد النظر في هيكلية النفقات، وفي الاستثمارات الرأسمالية، وفي مربع الأولويات، لتكون هذه الخدمات العامة سنداً مهماً للطبقة الوسطى والعامة.
هذا الإصلاح يتجاوز الجانب المالي والاقتصادي؛ إذ هو مرتبط بمفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون مع وجود تعليم مجاني يتيح فرصاً عادلة. وذلك يقتضي إصلاح الجامعات والمدارس، والأمر نفسه ينطبق على الصحة العامة والمواصلات.
الإصلاح الذي يجب أن نفكّر فيه من المفترض أن يتجاوز العناوين الحالية. وربما لو فتّشنا في حواراتنا الوطنية عن هذه الجوانب المهمة والحاسمة في المستقبل، فسنجد أنّنا بالفعل نفتقد إلى رؤية توافقية وطنية لمستقبلنا ومساراتنا التي من المفترض أن ننظر إليها بصورة متكاملة؛ اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، وأن نرسم ملامح تجربتنا المستقبلية ليس بارتجالية أو وصفات اقتصادية بحتة، بل بدراسة معمقة للتجارب العالمية الأخرى.


 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة