الأربعاء 2024-11-27 05:41 م
 

دوده من عوده

08:05 ص
ذات مزغر، كان لنا جيران. كانوا فقراء، فقد تشردوا من وطن على غفلة من الشموخ والعنفوان العربي، وكانت تلك هي الفترة الوحيدة التي تفرعنت فيها ببرجزتي على الآخرين، لان لدينا حنفية، كان جارنا يشتري الخضروات والفواكه الهرمة لرخص أسعارها، وحين تجتمع العائلة للأكل مساء يطفئ (أبو يونس) السراج ويدعو الأولاد للوليمة.اضافة اعلان

وحين كان أطفاله يتذمرون من أنهم قد يأكلون الدود مع الفقوس أو الخيار أو الحرّوش وما شابهها، كان الجار ينهرهم قائلاً – كلو ... دوده من عوده !!
نعم كانت الخضار والفواكه تتعرض في ذلك الوقت لتوالد الديدان بداخلها، وكانت حكمة الجار واضحة وصادقة وعلمية، فقد كان فعلاً دوده من عوده، وهو دود غير مضر إطلاقاً، هذا إذا لم يكن مفيداً.
اليوم نحن نأكل خضروات وفواكه خالية تماماً من الدود، بل ان الدود لو تسلق جدارها الخارجي لفطس فوراً وصار لكأنه من صيد أمس.
أموت على دودة جميلة في حبة فقوس !!
 يمينا سأزدردها دون إطفاء الضوء لأني اعرف مدى طزاجتها، واعرف ان الدودة أذكى واحرص مني على سلامة طعامها لأنها تنتقي النوع النقي غير الملوث.
في البلدان الأوروبية – كما سمعت – فان أسعار التفاح الصغير المدود أعلى بكثير من أسعار الضخم جميل المظهر، ولا فرق بينهما إلا في الهرمنة والكيماويات.
نعم يا جارنا أبو يونس.... يا ليتك تأتي الآن وتصيح بنا:
-كلوا ... دوده من عوده !!.
 لكن وين يا حسره !! وقد صار بعض من الماء الذي نشربه غير صالح للديدان.
إنها ضريبة التقدم دون مقدمات.
إنها ضريبة العصر، التي يدفعها الذين يعيشون على هامشه.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة