الأحد 2024-11-24 09:21 ص
 

كيف نقطف ثمرات الحوار؟

12:25 م

لا بد أن يثمر حوارنا مع الآخر شيئا جديدًا في فهمنا له، ينعكس على تفكيرنا وسلوكنا وثقافتنا، فالحوار ليس من أجل الحوار كما يريد فريق من الناس، بل الحوار لنقطف شيئا من ثمراته.اضافة اعلان


ويصعب أن يثمر أي حوار مع الآخر إلا ضمن بيئة صحيحة صالحة له، ومن أهم شروط هذه البيئة، الإيمان بالتنوع والاختلاف، وأنه من سنن الله الكونية، فإذا تأملنا في الكون وجدناه مبنيا على تنوع عجيب: الذكر والأنثى، الشمس والقمر، الطويل والقصير، الجميل والذميم، المؤمن والكافر، المسلم والمسيحي، السني والشيعي، الكاثوليكي، والأرثدوكسي، وهكذا... مما يشير إلى أن الكون مبنيٌّ على التنوع والاختلاف، وما على الإنسان إلا أن يقبل بهذه الحقيقة الكونية ويسلم بها، وأن يعمل على مقتضاها، وألا يفكر بالقضاء عليها وتوحيدها في نمط واحد؛ لأنه عبثا يحاول.

وبعد الإيمان بالتنوع والاختلاف يأتي احترام حق الآخر في الاختيار، فبما أن الكون متنوع، فالمرء يملك خيارات متعددة، ولا شك أن الإنسان له حق حرية الاختيار، وهو حق من حقوق الإنسان الأصيلة، وما علينا إلا أن نحترم هذا الحق، أي حق الإنسان في الاختيار، وهو بالنهاية يتحمل المسؤولية عن اختياراته، ولا يجوز أن يسلب هذا الحق من الإنسان، وإلا اعتبر انتهاكا صريحًا لحق طبيعي من حقوق الإنسان. واحترام لحق الإنسان في الاختيار لا يعني بالضرورة احترام نفس الخيار، بمعنى، لو تبنى إنسان مثلا نظرية داروين في النشوء والارتقاء والتطور، فأنا أحترم حق هذا الإنسان في أن يتبنى ما يراه مناسبا، لكن احترامي لهذا الحق لا يعني بالضرورة أنني أحترم نظرية داروين من الناحية العلمية، وأنني أصدقها وأعتقد بها، ففرق كبير بين الأمرين، وهي نقطة جوهرية في الحوار مع الآخر.

كما ينبغي أن ينطلق المتحاوران من نقطة مشتركة، وإلا فإنهما ينفقان الوقت في سبيل لا شيء، أو أن أحدهما يجامل الآخر في هذا الحوار، فإن أردناه حوارًا علميًّا ينبغي أن ننطلق من نقطة مشتركة نتفق عليها، وعلى سبيل المثال، لو تحاور مؤمن مع ملحد عن أهمية العلم، فبدأ المؤمن يسرد الآيات من كتابه المقدس ليقنع الملحد أن دينه يهتم بالعلم، فما أثر هذا التصرف على الملحد؟ لا أثر له، والسبب أنه لا يعتقد لا بالكتاب ولا الآيات، بل ولا يعترف بوجود الإله، فإذا أردت أن تقنع ملحدًا بآيات الكتاب، دعه أولا يؤمن بهذا الكتاب، وأنه من عند الله، ثم سيحصل المقصود.

ولا بد من التركيز علىى المشتركات التي يمكن أن تكون مصدرًا للوفاق والاتفاق، والبعد عن الاختلافات والجدليات التي لا عمل لها إلا زيادة مساحة البعد بين الطرفين، وتعميق الشرخ بينهما، فعندما يتحاور المسلم مع المسيحي مثلا، ننظر إلى الجانب الأخلاقي في كلا الدينين، حيث سنجد حب الخير، وبغض الظلم، والعفو عن المسيء، وهكذا...كما يجمعهما الإيمان بالله، أنه خالق الكون، وأنه على كل شيء قدير، وأن لكل منهما كتابا، وله دار عبادة، وله صوم صلاة وحج، ويوم يجتمعون فيه يستمعون إلى الموعظة الدينية.

أهم نقطة في الحوار أن نكون من المؤمنين به، أما إن كنا ممن يمارسونه مجاملة فلن نستفيد منه؛ لأن من يؤمن بالحوار سيحرص على ما ذكرنا من نقاط ليصل إلى نتيجة ما هي أفضل من الحال التي كانت قبل الحوار. وعلينا ألا نتعب من الحوار بحجة عدم الفائدة؛ لأننا لو تفحصنا سنجد أن العيب ليس في الحوار بل سنجد العيب فينا.
 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة