الأحد 2024-11-24 09:14 ص
 

«لحظة انتباه»

06:15 م

طرق التطور التقني في عصرنا هذا طرقا للثرثرة واللهو الفارغ، لم تعرفها العصور السابقة. واشد شيء فتكا بالعقول من ذلك ما نراه من انتشار الاخبار وتداولها دون ادنى توقف للنظر في مصادرها ومواردها، ومن اين مبعثها والى اين منتهاها.اضافة اعلان

واذا كان من شأن الناس، قديما وحديثا، ان لا يتلبثوا – الا من رحم الله من ذوي الالباب – امام ما يأتيهم من انباء، وكانت تسري فيهم الشائعات وتنتشر الاقاويل فتقوض ما تقوض من اسباب تماسكهم الاجتماعي، وكانوا، في الجملة، يتلقون معظم ذلك بأفواههم ولا يعرضون على عقولهم؛ فقد عُني الحكماءُ ونابهة المشتغلين بعلم الاخبار بتنبيههم الى مغبة ما هم فيه من غفلة قد تكون وخيمة العواقب، وكان معتمدهم في ذلك على كتاب الله العزيز وعلى جوامع الكلم التي جاء بها الرسول الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه وصحابته الكرام، ثم على امثال العرب واشعارهم، وعلى ما تناهى اليهم من ثقافات الأُمم وشذرات حكمائها.
ولقد وقعتُ، فيما قرأت لابن المقفع على شذرة توائم مقصدنا من هذا الحديث يقول فيها إن «أكثر الناس من يحدث بما يسمع ولا يبالي ممن سمع، وذلك مفسدة للصدق ومزراة بالرأي، فان استطعت ان لا تخبر بشيء الا وانت به مصدق، وان لا يكون تصديقك الا ببرهان.. فافعل».
اما كيف يكون هذا البرهان الذي يقوم به التصديق فذلك ما ينبغي ان يُعنى به اصحاب الكفايات المعرفية والاخلاقية وان يخلصوا فيه الى ميزان دقيق، او منطق حقيق بتعليم الناس كيف يتنخلون الاخبار ويتحققون صحيحها من مدخولها وصادقها من كاذبها.
انه من المعلوم انه ليس كل ما يكون – في ليل او نهار وفي سر او علن – يأتينا خبر عنه، وليس كل خبر يأتي يكون مبرأ من تحريف او توجيه او كيد مرسوم. وان من مهارات الاعلاميين، فيما نرى اليوم، ان يزاوروا عن «حقيقة ما هنالك»، وان يبرعوا في خداع العقول عنه. وثمة مدارس اعلامية واتجاهات في طرائق هذا الخداع، وثمة ألقاب جامعية ممنوحة فيه.
قد يذهب بعضهم الى ان الامر قد انتشر علينا، واننا لا نملك ان نرده الى معاد، وانه لا عاصم من امواج هذه الثرثرة التي تغمر اليوم بيوتنا وتتقلب بنا صغارا وكبارا، وتأتينا من كل مكان، او ان شئت قلت: «من كل فضاء» وانها حُكُم «العولمة» الذي ينبغي القبول به راغمين.. لكننا لا نذهب مذهب هؤلاء، ونرى ان في طوقنا التصدي لهذا التحدي، والوقوف في وجه هذه الزيوف. وما هي الا «لحظة انتباهٍ» حضارية صادقة حتى نكون في شأن غير هذا الشأن، وفي سبيل غير هذه السبيل.


 
gnews

أحدث الأخبار



 


الأكثر مشاهدة