الإثنين 2024-12-16 03:29 ص

أبو عودة: تطبيق الدولة للقانون يحفظ الاستقرار والأمن

01:40 ص

الوكيل - يُحلل المفكر السياسي عدنان أبو عودة المشهد الإقليمي، ويركز في حديثه على تطورات الأزمة السورية، وأكثر ما يشغل بال أبوعودة هو أسباب نشوء الأزمة هناك.


ومن وجهة نظر السياسي المخضرم أبوعودة، فإن اكتشاف الغاز على ساحل المتوسط، من غزة إلى إسرائيل إلى سورية، حتى تصل إلى قبرص، هو سبب صراع جديد في المنطقة، أسماه بـ'صراع اكتشاف الغاز على ساحل المتوسط'.

لذلك فإن اكتشاف الغاز، وبكميات كبيرة، أنشأ دينامية جديدة للصراع على المصالح الدولية، 'لأننا لسنا من يستخرج الغاز، بل هم الذين يستخرجونه: الروس والأميركان'.

الدبلوماسي أبوعودة يرد على سؤال عمر الأزمة السورية، بكيفية الاتفاق بين روسيا وأميركا على الغاز؛ وهو الحل الذي يمكنهما من الحفاظ على مصالحهما، ويتساءل: لكن متى سيتحقق ذلك؟ ويجيب بنفس الوقت: هذا سؤال برسم الغيب. لأن الوضع السوري مفتوح على المجهول.

ويصف الوزير في أكثر من حكومة ورئيس الديوان الملكي الأسبق ومستشار الراحل الملك الحسين أداء الدبلوماسية الأردنية في ظل التطورات الإقليمية، وتعقيدات المشهد السوري بـ'الدور الحكيم.'

لكنه يضيف: «لكن عليك أن تسأل عن الموقف الدبلوماسي الأردني، ليس الآن، بل في المستقبل.

واعتبر أبوعودة أن المنطقة العربية تعيش في ظلال تطورات الربيع العربي، وهي الظلال التي يصفها البعض بـ'الفوضى' لكنه اعتبرها «عدم اتضاح الطريق أمام الذين صنعوا هذا الحدث'.

لكن يسجل أبوعودة ملاحظته على «انحراف' عند الناس، وليس عند الحكومة، فالبعض، وعندما وجد أن خروجه بالحراك حقق مطالب إصلاحية، صار يستخدم الخروج إلى الشارع من قبل البعض لابتزاز الدولة، ودخلنا في حالة الاضرابات والاعتصامات التي تركز على تحسين أوضاع فئة معينة، وليس التغيير للأفضل بشكل ينعكس على الجميع وفي كل المناطق.

ولا يتردد أبو عودة بانتقاد حالة الفوضى في الشارع، والتعدي على القانون وإغلاق الطرق، وقال «الاستقرار والأمن قيمة عزيزة يجب الحفاظ عليها وتنميتها من خلال تطبيق الدولة للقانون'. وشدد أن على «الدولة أن تستعيد زمام الحكم'.

وفيما يلي نص الحوار:

• بداية، نسأل عدنان أبوعودة، وهو المفكر السياسي، عن وضع المنطقة والإقليم، وما تأثيرات الفوضى من حولنا علينا؟

- أنت قلت فوضى؛ أنا أقول إننا نعيش في الأردن والمنطقة في ظلال تطورات الربيع العربي، وهي الظلال التي وصفتها أنت بالفوضى، وباعتقادي، أن ما تسميه فوضى هو عدم اتضاح الطريق أمام الذين صنعوا هذا الحدث، وبالتحليل العميق؛ من صنع الحدث هو جيل شاب، وهذه الحقيقة تنطبق على كل ما جرى في العالم العربي، خلال العامين أو الثلاثة الماضية، ابتداء من تونس، ومرورا بمصر وليبيا واليمن وحتى الأردن وسورية، فكل ما يجري هو صناعة الجيل الشاب.

جيل الشباب يمثل من السكان العرب أكثر من 60 %؛ أي أكثر من النصف، وهو جيل يعيش في ظل واقع اقتصادي معين، وفي ذلك تأثر هذا الجيل بعاملين أساسيين، الأول: الاتصالات، سواء بأدواتها الإلكترونية (الإنترنت)، أو التلفزيونية العالمية. هذا فتح أعين الشباب على أحوال العالم، التي يتمناها له، ومنها الحرية؛ أما الثاني، فقد فتحت ثورة الاتصالات أعين الشباب على شبح البطالة، وهو في الجامعة، فالظاهرة العامة عند جيل الشباب هي البطالة، وبنسبة عالية.

هما عاملان وفرا عناصر الغضب عند الشباب، فخرجوا وانفجروا، وهذا هو الربيع العربي ابتداء.

هذا الجيل خرج غاضبا، لم يكن لديه مشروعه؛ لكنه يحمل تمنيا معينا، فحمل هدفين؛ الأول: في بعض البلدان، ما عدا الأردن، كان تغيير الحاكم والنظام، بعد أن وضع اللوم على الحاكم والحكومة والنظام. أما في الأردن فكانت الأمور أهدأ، فطالب الناس بإصلاح النظام.

وسواء كانت المطالب إصلاح النظام أو تغييره، فلم يكن لدى القائمين على هذه الانتفاضات مشاريع واضحة، ولم يوجد بينها أيضا تنظيمات مترابطة، فمن خرج لا ينتمي لحزب معين، فالناس خرجوا برابط واحد يجمعهم، وهو وحدة التمني ووحدة الظلم.

وهذا ما أنشأ ما أسميته أنت الفوضى، وما أسميه أنا بحالة من الارتباك. ردود الفعل لأنظمة الأمر الواقع تباينت من بلد إلى بلد، فبعض الأنظمة اختار الصمت، إلى أن سقط، وبعضها كما في سورية اختار المقاومة، فنشأ وضع مأساوي، بعد استخدام السلاح من قبل الدولة ما اضطر المعارضة السلمية لحمل السلاح للدفاع عن نفسها.

• المعارضة السورية قدر لها سلفا حمل السلاح، لكن ألم يكن هناك من رغب سلفا في تحويل مسار المعارضة السلمية إلى معارضة مسلحة؟

- هي معارضة بدأت سلمية، واستمرت ستة أشهر بسلمية، ثم حملت السلاح ردا على استخدام السلاح.

وأريد أن استكمل مسار الربيع العربي، في تباينات التعامل معه من قبل الأنظمة الحاكمة، ففي الأردن، ولأن الحراك عندنا لم يطالب بتغيير النظام، اختارت الإدارة الرسمية، بدل الرد بالقمع والتنكيل، الإستجابة البطيئة المتدرجة للمطالب، ولذلك بقيت الأمور ضمن السيطرة، حيث لم تتطور عندنا الاحتجاجات لمستويات عنيفة، من قبل الطرفين، الحكومة أو الحراك.

• إذن، الخلاف بيننا على تسمية ما يجري الآن؛ فوضى أو ارتباك، لكن السؤال الأهم متى ستنتهي هذه الحالة؟

- هذا مرهون بعدة عوامل، داخلية وخارجية؛ لكن قد نجد في النموذج المصري للربيع العربي نموذجا متقدما، وذلك بفضل المعارضة الأكثر قدرة على تنظيم نفسها. كما أن لهذه المعارضة مشاريع معينة، وربما أن ثقافتهم السياسية، بسبب اتصالهم بأوروبا ساعدتهم على تحديد مطالبهم، لكن ومع ذلك لديهم ارتباك، وباعتقادي أن خطأ المصريين كان في ذهابهم للانتخابات بسرعة، وقبل أن تستقر الأوضاع.

أعتقد أنه، وبعد أن سقط النظام المصري كان عليهم أن يطيلوا مدة المرحلة الانتقالية، من خلال تشكيل حكومات مؤقتة متتالية، حتى تهدأ الأوضاع، ويشترك جميع من شاركوا في الثورة ببرامج المرحلة المقبلة.

عن ليبيا، ما تزال هناك فوضى، لأنها في الأصل ليست دولة مؤسسات مثل مصر، فالمشكلة الليبية مضاعفة، لأنه كان في مصر وتونس مثلا مؤسسات، والمطلوب تصحيح أدائها، أما ليبيا، فهي تحتاج إلى مؤسسات جديدة، فضلا عن وجود صراعات قبلية وعشائرية.

أما في اليمن، ولأن عملية التغيير أخذت وقتا؛ وهذا الوقت، وكما يبدو، كان مفيدا، بمعنى أن المعارضة، التي قامت بالثورة أخذت وقتها؛ أولا في بناء اللحمة ما بين الثوار، بغض النظر عن ألوانهم المختلفة، وما سموه بـ'الحوار' ساعدهم جدا في تعزيز لحمتهم.

في الأردن، جرت عندنا إصلاحات دستورية، لكنها عند البعض وصفت بأنها غير كافية، لكن أكثر ما طالب الناس بتغييره هو قانون الانتخاب، بصوته الواحد، هذا لم يتغير، لذلك بقيت اللواعج بالتغيير موجودة.

لكن في الأردن أيضا حدث انحراف؛ وهو انحراف عند الناس وليس عند الحكومة، فالبعض، وعندما وجد بأن خروجه بالحراك حقق مطالب إصلاحية، صار يستخدم الخروج إلى الشارع من قبل البعض لابتزاز الدولة، ودخلنا في حالة الاضرابات والاعتصامات التي تركز على تحسين أوضاع فئة معينة، وليس التغيير للأفضل بشكل ينعكس على الجميع.

أما عن العوامل الخارجية، فهي موجودة، ومنها أن المنطقة العربية منطقة مهمة في العالم، ولأنها منطقة نفط، وهي منطقة متفجرة بسبب وجود إسرائيل، وبعدم توصلها إلى سلام مع الفلسطينيين. إذن، بحسابات العالم فإن هذه المنطقة تبقى منطقة مهددة بالانفجار يوما ما.

النفط ووجود إسرائيل، يجعلان العالم ذا مصالح في المنطقة، فهم يهتمون بالمنطقة لضمان مصالحهم، خصوصا في ظل المتغيرات الحاصلة. وتحدث اليوم تدخلات كثيرة، ثمة ما هو شرعي منها، من خلال الأمم المتحدة، وهناك تدخلات دبلوماسية تقوم بها الدول من أصحاب المصلحة، نحن لسنا على اطلاع عليها.

• أمام هذا الاستعراض لواقع الربيع العربي، هل تتنبأ بشكل جديد أو خريطة جديدة للمنطقة العربية؟

- الاحتمالات للتقسيم في العالم العربي واردة ومفتوحة، لكن في مصر الوضع قد يكون صعبا إلى حد ما، لأن النزعة المصرية لا تسمح لمصر أن تنقسم، صحيح قد تحاول قوى شريرة من الخارج أن تصنع ذلك، لكن باعتقادي أن الأمر صعب.

أما عن الدول العربية الآسيوية، فالحال مختلف، لأن هناك احتمالات واردة للتقسيم، والعراق نموذج لذلك، فالمنطقة التي نعيش فيها، هي منطقة احتوت على جميع الهويات الفرعية، الطائفية والمذهبية والإثنية والعرقية، ثم القبلية، وهي كلها هويات فرعية.

وهي هويات بقيت على السطح منذ أن فشل العرب في خمسينيات القرن الماضي في ترسيخ دعائم الدولة القطرية.

الدولة الوطنية أو القطرية، تشكلت في أوروبا مثلا في القرن السابع عشر، بعد الحروب الدينية، ومفهوم هذه الدولة بسيط، وهو قطعة من الأرض، ذات حدود تضم شعبا يتحدث لغة واحدة.

ويتشكل الرابط الوحيد بين الجميع في أنهم ينتمون لنفس الأرض، والهويات الفرعية تنغمر تحت السطح، ولا يعود لها أي قيمة.

إذن، الدولة الوطنية كان واجبها الأول ووظيفتها العليا، أنها غمرت الهويات الفرعية وصنعت هوية جديدة، لكن العالم العربي طبعا غني بهذه الهويات.

بالعودة لما حدث في العالم العربي في الخمسينيات الماضية، وفي بداية العام 1949 تحديدا، مع بدء الانقلابات العسكرية، وهي الانقلابات التي ارتكبت جريمتين؛ الأولى: أنهت التعددية السياسية، من خلال حظر العمل الحزبي، ومنع الأحزاب، لكنها أبقت على البرلمان، فصارت المشكلة مركبة، فصار الذي يريد أن يرشح نفسه للبرلمان يبتعد عن الحزبية، أو يضطر للعودة إلى أقاربه أو قريته أو مذهبه أو لعرقه.

ومن هناك انتعشت الهويات الفرعية، وبعد ظهورها على السطح كعامل سياسي، أي تمكينها سياسيا، انتهت ما نسميها الدولة الوطنية. ما نعانيه في المنطقة العربية، وخاصة الآسيوية، هو فشل الدولة القطرية أو الوطنية، حينما حلت الهويات الفرعية محل الهويات الوطنية، ولم يقف الوضع عند هذا الحد من التخريب، بل خلق ما نسميه اليوم صدوعا في بنية المجتمع، وهي الصدوع، التي إذا ما توفرت لها فرصة مواجهة بعضها فيحدث العنف، وعندنا العراق نموذجا، فالصراع هناك بين الشيعة والسنة، وبين عرب وأكراد.

في سورية، جميع الهويات الفرعية، لذلك هناك خوف أن تنتهي سورية إلى ما انتهت إليه العراق، أي أن تصبح دويلات، ودائما ما يكون سبب إنشاء الدويلات هو أن الهوية الفرعية التي تعيش في بقعة مخصصة لها تكون قابليتها للانفصال عالية، فمثلا الطائفة العلوية في سورية لها منطقة، ولذلك فاحتمالات أن تنفصل لتكون دويلة وارد جدا، وممكنة ومتاحة، وكذلك الدروز.

لكن عندنا في الأردن، فالتقسيم بين أردني وفلسطيني غير متاح، لأن الفلسطيني لا يعيش في منطقة مخصصة له، أو معزولة، تسهل عليه الانفصال، لكن التوتر يبقى قائما.

لكن السؤال: كيف لنا أن نعالج هذا الوضع؟ باعتقادي أن المعالجة هي من خلال العودة مرة أخرى لترسيخ أركان الدولة الوطنية، وترك القانون ليحكم الجميع.

ولو سألتني كيف تفعل ذلك؟ سأقول إنك بحاجة للأحزاب السياسية، التي تعيد التعددية، وأقصد بالأحزاب السياسية الأحزاب ذات البرامج، وليست الأحزاب الأيديولوجية.

نحن في الأردن مثلا، شهدنا في الخمسينيات وجود حزبين وطنيين، تزعم أحدها توفيق أبو الهدى، تحت اسم الحزب الوطني الدستوري، والآخر تزعمه سمير الرفاعي تحت اسم حزب الأمة، ثم نشأ حزب وطني جديد، اسمه الحزب الوطني الاشتراكي، والذي تزعمه سليمان النابلسي.

وكان إلى جانب هذه الأحزاب الوطنية، على الأطراف، أحزاب ايديلوجية، مثل الشيوعي والبعث.

اليوم، نحن لسنا بحاجة لأحزاب ايدلوجية، لأن الأيدلوجي أثبت عبر ستين سنة من الخراب، بأنه يتمسك بالحكم ويصبح ديكتاتوريا، لأنه وبحكم تكوينه، يعتقد أنه يحتكر الحقيقة، ومن أجل ذلك تجد التنافس بين الأحزاب الايدلوجية هو ما سبب حركة الانقلابات العسكرية.

• إذن، أنت تدعو لمأسسة التحول الحزبي في العالم العربي، من الحالة الايدلوجية إلى الحالة البرامجية الوطنية؟

- في كل بلد عربي ينبغي أن يرفع الحظر عن الأحزاب السياسية، لتصبح أحزاب برامج، تتنافس برامجيا أمام الشعب عند الانتخابات.

ومن يفوز بالحكم يجب أن يخضع لمراقبة من لم يحالفه الحظ من الأحزاب المنافسة الأخرى التي دخلت البرلمان، والتي تشكل نواة المعارضة البرلمانية، ومن يفشل في الحكم فهناك انتخابات دورية قادمة، ويمكن للناخبين أن يغيروا هوية الحزب الحاكم بعد فشل برنامجه.

• كم نحتاج من الوقت لتتكرس مثل هذه التجربة وتنجح، اليوم الناس تهتف في ميادين مختلفة، كما أن هناك قتلى يسقطون وهم يطالبون بالتغيير، في سورية مثلا؟

- نعم؛ دعني أعيد سؤالك بالطريقة التالية؛ كيف يمكن أن نشرع في التحول نحو التعددية الحزبية؟ عندنا مثلا في الأردن رفع الحظر عن الأحزاب السياسية في العام 1992، لكن بعد 50 عاما من الخوف من العمل الحزبي، لم يتحول الناس الى حزبيين، ثم أن الأحزاب التي نشأت لم تكن تمتلك برامج واضحة ومقنعة، وكانت تميل لتكون أحزاب أشخاص أكثر منها أحزاب طبقات، أو أحزاب أصحاب مصالح مشتركة.

الحزب يجب أن يمثل طبقة وشريحة من المجتمع، تنتسب لبعضها، بحكم مصالحها المشتركة، وليس بحكم مذهبها أو دينها أو عصبيتها.

نحن بانتظار أن تنشأ أحزاب وطنية، وأظنها لم تنشأ حتى اليوم.

في سورية عاشت عشر سنوات، في مصر استمرت لفترة أطول.

• ألم تستمر الأحزاب الوطنية عندنا إلى بداية الستينيات؟

- لا؛ فقد تم الانقلاب على الحكومة، وهو انقلاب استباقي؛ وتم إلغاء الأحزاب السياسية في العام 1957 كما فعلت مصر وسورية.

وماذا يعني تغييب الحياة السياسية في التأريخ السياسي؟ معناه انتقال الدولة من الحالة الديمقراطية إلى الحالة الأتوقراطية؛ فمع إلغاء التعددية السياسية، تكون خرجت من الحالة الديمقراطية لتدخل الأتوقراطية.

• هل هناك محاكاة بين احتلال العراق وبين ما يجري في سورية اليوم، أي هل تتوقع لها سيناريو العراق؟

- أولا، دعنا نأخذ أوجه الاختلاف بين الأزمتين العراقية والسورية، ثم نأخذ التشابه بينهما.

فاللاعب الرئيس الخارجي في العراق كانت أميركا وبريطانيا، وهما صاحبتا شركات النفط، التي استغلت النفط منذ مطلع القرن العشرين، أي أن لهما مصالح قديمة في المنطقة.

وبالإمكان القول إن علاقتنا مع الغرب قديمة، ويمكن تأريخها منذ اكتشاف النفط في المنطقة العربية.

أما في سورية فاللاعبون هم قوتان متضادتان، أميركا وروسيا. في العراق كان ثمة لاعبان أساسيان لكن متفقان؛ أميركا وبريطانيا، أما في سورية فاللاعبان متنافسان.

لكن، في العلاقات الدولية، على الرغم من التنافس، دائما هذا التنافس قد يوصل إلى اتفاق يسمح بتبادل المصالح والمنافع بين المتنافسين.

ولأن هناك ما هو غير معروف للناس، فقد نجد أنفسنا مضطرين للتخمين، فالجديد الذي طرأ على المنطقة هو اكتشاف الغاز على ساحل المتوسط، من غزة إلى إسرائيل إلى سورية حتى تصل إلى قبرص، وقد كنت من أول من حذروا، بأنه قد نشأ في المنطقة سبب جديد للصراع، واسمه اكتشاف الغاز على ساحل المتوسط.

ولدى سماعك بكلمة الغاز فيرد إلى ذهنك فورا الكلمة التالية: الطاقة، وعندما تقول الطاقة، يرد إلى ذهنك مباشرة مصطلح السيطرة.

لذلك بعد اكتشاف الغاز على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبكميات كبيرة، نشأت دينامية جديدة للصراع على المصالح الدولية، لأننا لسنا من يستخرج الغاز، بل هم الذين يستخرجونه: الروس والأميركان.

فالروس لديهم خبرة كبيرة في استخراج الغاز ونقله وتسويقه، وهم الوحيدون الذين يزودون أوروبا بالغاز الروسي، كما أن للبريطانيين خبرتهم في هذا المجال.

افترض أن هناك دوافع للولايات المتحدة لكي تتدخل بسبب اكتشاف الغاز، وبالتالي استفادة شركاتها من هذا المخزون، وروسيا ليس سرا اهتمامها بالغاز السوري.

قبل أقل من عام زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبرص وإسرائيل، وهما يشتركان بالغاز.

إذن، لم يعد سرا اهتمام روسيا وأميركا بالغاز السوري، ومن هنا ندرك ما سر جدل الدولتين العظميين داخل الأمم المتحدة واستخدام الفيتو الروسي ضد أي قرار أممي يدعم التدخل لوقف المجازر التي ترتكب.

ونشأت عن مصالح الدولتين اصطفافات عربية؛ فهناك من يدعمون النظام السوري وحليفته روسيا، وهناك من هم بالخندق المقابل، مع أميركا ومصالحها في المنطقة.

لكن عناصر التخمين تظل متحفزة، حتى نعرف كيف سيتم الاتفاق بين الدولتين المتنافستين على الغاز؛ روسيا وأميركا، على حل يمكنهما من الحفاظ على مصالحهما، ومتى سيتحقق ذلك، هذا سؤال برسم الغيب.

بالتأكيد، الأوضاع على الأرض ستؤثر على القرارات في المستقبل، فالأميركان وضعوا شرطا للعب بالورقة السورية دبلوماسيا، واعتبروا ذلك خطا أحمر، وهو استخدام الأسلحة الكيماوية، وروسيا تضع شرطا وخطها الأحمر، وهو عدم التدخل الدولي في الأزمة السورية من خلال حظر الطيران.

والآن، يجب العمل على حساب الفرضيات، فإذا حقق الجيش الحر تقدما على النظام السوري فقد تضطر روسيا للتنازل عن شروطها، والعكس صحيح.

إذن، الوضع هناك مفتوح على المجهول، وهناك لاعبون في الداخل والخارج، وليس سهلا التنبؤ بمآلات الأحداث وسط هذا كله.

• وكيف تقيم أداء الدبلوماسية الأردنية في التعاطي مع الأزمة السورية؟

- نحن دورنا في حدود المعلن عنه، هو دور حكيم. نحن لا نريد أن نتدخل لأننا لا نستطيع دفع كلفة التورط، فبطبيعة الحال نحن تضررنا مما يحدث في سورية. الناس تتحدث عن ضرر واحد، وهو عدد اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن، وأن هذه الاستضافة تنهك مواردنا، لكن هل كنا نملك حرية منع استضافة اللاجئين؟ الأردن لا يستطيع ذلك، لأننا عضو في الأمم المتحدة.

لكن نحن تضررنا أيضا اقتصاديا، من جهة الحدود الشمالية، التي تمثل لنا خطا تجاريا نحو تركيا وأوروبا، وحتى سياحيا نحن تضررنا من الأزمة السورية.

وأمام أضرارنا هذه، كيف لنا أن نتخذ موقفا، فقد كان الموقف الحكيم هو الدعوة للحل السلمي السياسي السريع، لكن هل نحن مؤثرون بهذا الموقف؟ لا أعتقد ذلك. لكن بالمعنى السلبي له لنا تأثير، وهو؛ أننا لم نشارك في الحرب وهذا فيه تأثير.

لكن عليك أن تسأل عن الموقف الدبلوماسي الأردني، ليس الآن، بل في المستقبل، وعليك أن تسأل: ماذا لو تراخى موقف أي من الطرفين المتنافسين (روسيا وأميركا) وتنازل للآخر، ماذا سيكون دورنا؟

فلو تنازلت روسيا لأميركا ستكون مشكلتنا بسيطة، بناء على الموقف الذي اتخذناه. لكن لو خسر الثوار واستقوى النظام عليهم، والأميركان قرروا أن يقفوا ضد هذا الاستقواء، عندها سنكون في موقف المتورطين.

• بالعودة إلى موضوع الحياة الحزبية، هل تعتقد أن البيئة السياسية الاجتماعية الاقتصادية الأردنية، قادرة على إنشاء أحزاب سياسية وطنية برامجية؟

- إذا توافرت النية، فهناك طرق كثيرة لتحقيق ذلك. اليوم لدينا برلمان، وهو منح الثقة للحكومة، ودعنا نتخيل أن الحكومة، أو الدولة، قالت إنها تريد تفعيل نشاط وطني غير رسمي، بأن تتشكل مجموعة من الحكماء، من أصحاب الخبرة في مختلف الأمور والقطاعات، هؤلاء دعهم يسمون أنفسهم باللجنة الوطنية لمراقبة التشريعات، وأن تقبل الحكومة، بأنه عندما تريد أن تبعث مشروع قانون للبرلمان أن تسلم هذه اللجنة نسخة منه، وأن تفرد لهم الحكومة على شاشة تلفزيونها الرسمي ساعتين في الأسبوع، ليفتحوا نقاشا عاما على مشروع القانون، وبوجود صحفيين مثلا، أو مهتمين، وبأسلوب حضاري، يفتح النقاش على ذات المشروع. البرلمان ثمة فيه جماعات لها مصالحها في الطريقة التي يصاغ بها القانون، أما هؤلاء، فهم أطراف محايدة، من أصحاب خبرة ومهتمين وحكماء. باعتقادي أن الحكومة بهذه الطريقة تكون أطلقت ديناميكية جديدة في المجتمع، فقد يتعلم بعض النواب من هذا العرض كيف يناقش مشروع القانون في البرلمان، وبالتالي نقل هذا النقاش من على شاشة التلفزيون إلى مجلس النواب.

متأكد أنه إذا استمر مثل هذا النقاش لمشاريع القوانين المهمة للمواطنين، فقد يأتي البعض ليطلب من أحد هؤلاء أصحاب الخبرة تأسيس حزب. فيمكن لك أن تطلق شيئا، لكن عليك أن تبدأ بداية معينة، فيها من المصداقية ويديرها حكماء.

• لكن هناك من يعتقد، ويدعو إلى أن يعاد تشكيل الحياة الحزبية من خلال صيغة قانون انتخاب عصرية؟

- هناك عدة صيغ ونماذج لقانون الانتخاب، نحن أخذنا النظام الانتخابي بالصوت الواحد، لكن هو صوت مقصور، أو مجزوء، أي ليس له رأس، لكن هذا النظام معمول به في بريطانيا، والصوت الواحد يعني تمثيل السكان، وليس للأرض أو المنطقة ومساحتها.

وبالحساب؛ في بلد مثل بلدنا، عدد سكانها 6 ملايين، ويحق لـ3 ملايين منهم الانتخاب، لـ150 مقعدا برلمانيا، فليكن الحل بتخصيص مقعد من المائة وخمسين لكل 200 ألف أو لكل 20 ألف ناخب. ليكن هذا الأساس، أي أبق على الصوت الواحد، لكن اجعل تطبيقاته سليمة.

وهناك طريقة أخرى، وهي النظام الانتخابي، الذي يعتمد التقسيم إلى دوائر انتخابية فرعية، والانتخاب على أساس مقاعدها.

أما القائمة الوطنية فقد لا تنجح كثيرا، نتيجة ضعف البيئة الحزبية، فالقائمة لا تنجح إلا مع أحزاب، لكن البدء بها والبناء عليها فرصة تدريبية جيدة، وعندما تنشأ الأحزاب السياسية البرامجية القوية، ستستفيد من تطبيقات القائمة الوطنية في قانون الانتخاب.

والقائمة الوطنية مبدأ انتخابي مهم، لأنها هي ما يؤكد الانتخاب على أساس البرنامج، والحزب يمثل برنامجا.

فأنت بحاجة إلى بداية ما، وعليك أن توصل للمواطن إحساسا بأنك جاد في عملية التغيير، وهي العملية التي يجب أن تكون متدرجة، وقابلة للنقاش، والأخذ والعطاء، وقابلة للمراجعة، من أجل تثبيت مفاهيم محددة، فالتغيير لن يأتي في يوم وليلة.

• لكن عند الحديث عن الإصلاح السياسي؛ الانتخابي أو الحزبي على وجه التحديد، تبرز مخاوف التمثيل، وقصة الأصول والمنابت؟

- طبعا. من يقول بذلك يريد أن يخلص للحقيقة التالية، وهي: إنني لا أريد العدالة في التمثيل في البرلمان، خوفا من أن يصبح الأردنيون من أصل فلسطيني هم الأكثرية.

طبعا، هذا الكلام يفترض لدى صاحبه بأن الفلسطينيين عشيرة، وسينتخبون ابن العشيرة فقط، أي أن حكمهم صادر عن الوضع القائم، لأن العشائر هي التي تنتخب، وأنا برأيي أن هذا الكلام خطأ أصلا.

لكن، إذا أردنا أن ننتخب على أساس برامجي وحزبي، فلن يكون لهذه المخاوف وجود، فالأحزاب لا تنشأ على أساس أردني وفلسطيني، مسيحي ومسلم، لأن الحزب يشمل جميع الناس، وما يربطهم ليس مذهبا ولا إقليم، فالرابط بينهم أنهم أصحاب مصالح مشتركة.
عندنا مثلا البرجوازية، قد يتشكل منها حزب محافظين، وهي البرجوازية التي تتشكل من أسماء، أصولها شرق وغرب أردنية، جمعتهم مصالح الحفاظ على ثرواتهم وتنميتها. لكن عندي أيضا طبقة الموظفين، التي نسميها البرجوازية الصغيرة، وتشمل المهندسين والأطباء والمحامين، ولهم أن ينشئوا حزبا تحت أي مسمى.

وتلك الحجة حجة مريضة، يجب أن لا نتحدث فيها، ولنا أن نتذكر، نحن من عشنا في تلك المرحلة (الخمسينيات)، بأن الانتخابات لم تكن على هذه الصيغة، بل كانت انتخابات برامجية.

أما الآن فالمطلوب الخروج من الحالة المرضية التي نعيش فيها. إن استمريت في هذه الطريقة فأنت في مأزق كبير، يتعلق بمستقبل الدولة.

• في الإصلاحات المطلوبة أردنيا؛ ما هي الأولويات برأيك؟

- نحن بحاجة إلى طريق للإصلاح؛ هناك مشكلة عندنا. لدينا برلمان، ولدينا حكومة جيدة، لكن كيف لنا أن نتقدم بأحوالنا نحو الأفضل. عندما تنظر إلى أوضاع البلد، فهناك يوميا أحداث تضعك في مواجهة سؤال خطير، وهو أين الدولة؟ فنحن بحاجة ماسة من الدولة أن تفرض القانون.

هناك خوف لدى الناس جميعا، من تجنب الدولة لتطبيق القانون، فأنت عندما تقرأ في الإعلام بأن الطريق الرئيسي والدولي مغلقة، وأن هناك مسلحين يبحثون في هويات المارة، فهذا مشهد يذكرنا بمشهد 1975 في لبنان، فهل يجوز ذلك وسط صمت رسمي وحكومي؟!
هذه أحداث مؤسفة، لكنها ذات قيمة، لأنها يجب أن تذكر المسؤول بضرورة تطبيق القانون، وأن تقول الدولة كلمتها وبسرعة وعلى الجميع.

ينبغي أن يكون هناك جرأة في قول الحق والحقيقة، والدولة والحكومة تستطيع ذلك، وكل تأخر في تطبيق القانون، سنكون كالسفينة التي تغرق، فالوضع لم يعد قابلا للانتظار والتمهل.

فكيف لنا أن ننعش اقتصادنا وتعليمنا، ونأتي بالاستثمار الخارجي، وهناك حالة من الفوضى في الشارع، فالاستقرار والأمن قيمة عزيزة يجب الحفاظ عليها وتنميتها من خلال تطبيق الدولة للقانون. هذا كله ألخصه بجملة واحدة، وهو أن على الدولة أن تستعيد زمام الحكم، لأنه سبق وأن مررنا بهذه الحال أعوام 1968-1970، وهي الحالة التي يئس فيها الناس من الدولة، ومن تراجع الحكومة في قدرتها على السيطرة، حيث لم تعد الحكومة حينها تسيطر على شارع أو مبنى محكمة، إلى أن تدخل الملك وأنقذ الوضع كله.

لذلك يجب أن لا نصل لهذا المستوى، خصوصا وأن لدينا تجربة، فلماذا نكررها أو نعيدها؟!

وإذا ما استمرت مشاهد خرق القانون، وصمت الحكومة، فأخشى أن نضطر إلى تكرار نفس الحالة، وعندها مصيبة، فليس من مصلحتنا أن يقول العالم عن نظامنا إنه هش، بل نحن بحاجة أن نعيش ويعرف العالم أننا نعيش في نظام قوي وصلب وقادر على ضبط الأمور.

•هل لذلك علاقة بالتعامل مع الحراك مثلا؟

- الدولة عملت خيرا بأنها ما واجهت الناس بعنف وقمع، لأن ذلك كان سيفتح بابا من العنف، لا نعرف متى سيغلق، وعلى أي صورة من العنف سينتهي.

لكن هذا شيء، وضبط البلد شيء آخر، فهناك فرق، وأرجو أن لا يفهم كلامي خطأ أو أنه متناقض، لأن هناك قانونا، ويقول لك 'طبقني'، فلذلك من الضروري منع من يريد إغلاق الطريق، فلا يجوز أن نسكت على من يقوم بذلك، ومنع ذلك ليس عنفا، بل اسمه تطبيق للقانون، فالدولة من أول واجباتها حفظ ملكيات الناس.

الغد


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة