الخميس 2024-12-12 05:28 ص

أحزاب سرية في البرلمان

08:10 ص

تقدر مصادر رسمية عدد النواب الحزبيين في البرلمان الجديد بما لا يقل عن 24 نائبا. وفي توقعات مبالغ فيها، تقول المصادر ذاتها إن عددهم 39 نائبا.

لكن باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، لم يعلن أي حزب سياسي قبل الانتخابات أسماء مرشحيه، لاعتبارات عشائرية كما قيل، على أن يتم الكشف عن أسمائهم في حال فوزهم في الانتخابات.
الحكومة كانت قد وعدت كل حزب أو ائتلاف حزبي يعلن مسبقاً أسماء مرشحيه للانتخابات، بمنحه 5 آلاف دينار عن كل مقعد يفوز فيه بالبرلمان، وبحد أعلى خمسة مقاعد لكل حزب. رغم هذا التحفيز، وحاجة الأحزاب للدعم المالي، إلا أن أيا من الأحزاب لم يجرؤ على إعلان أسماء مرشحيه في القوائم.
ما إن ظهرت نتائج الانتخابات، حتى بدأت الأحزاب في التسابق على إعلان فوزها بكذا مقعد في البرلمان. لكن الأسماء ما تزال مجهولة حتى الآن!
خمسة للحزب الفلاني لا نعرف أحدا منهم، وثلاثة لهذا الحزب من مجهولي الهوية. فقط نواب 'جبهة العمل الإسلامي' من أتيح لنا التعرف عليهم من اللحظة الأولى لإعلان النتائج.
الظاهر أن معظم النواب المحسوبين على الأحزاب، كانوا قد ترشحوا بصفة شخصية أو عشائرية، وقد يكون بعضهم تجاوبوا مع عرض أحزاب لدعمهم طمعا بالنجاح. لكن بعد فوزهم لا يجدون سببا لإعلان عضويتهم الحزبية، لأنهم ببساطة لم ينتسبوا أصلا لهذه الأحزاب، أو أن منهم من 'قيد' اسمه في مرحلة تأسيس الحزب، ثم انقطعت صلته الحزبية منذ ذلك اليوم.
أمّا من كان وما يزال حزبيا عاملا، فهو على الأرجح لا يشعر بأنه مدين للحزب بفوزه، بل لعشيرته وتحالفه الانتخابي. كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب لا يمنح للنائب الحزبي أي ميزة على غيره من النواب.
ظاهرة نواب الأحزاب 'السريين'، هي مؤشر على هشاشة الحياة الحزبية في الأردن، وضعف الولاء الحزبي في مقابل الولاءات الاجتماعية والمناطقية، وقوة العشيرة الطاغية على المشهد السياسي، والتي يتضاءل أمامها كل ما تحقق من خطوات في مجال الإصلاح السياسي.
ليس لنا أن ندين النواب والنخب السياسية عموما على هذا السلوك، لأن عضوية الحزب السياسي ليست شرطا من شروط اللعبة السياسية في الأردن. فالحكومات تتشكل وفق اعتبارات مناطقية وعشائرية، ومقاعد مجلس الأعيان تتوزع حسب نظام محاصصات تقليدي لا مكان فيه للأحزاب السياسية. حتى المواقع الأدنى في سلم المناصب تخضع للاعتبارات نفسها.
لقد تغيرت قوانين الأحزاب والانتخاب والبلديات، لكن قواعد اللعبة لم تتبدل، ونظام المحاصصة بتشكيلاته المتنوعة ظل هو القانون الوحيد لممارسة السلطة والناظم لتوزيع مكتسباتها على أفراد النخبة.
والأحزاب ليست بريئة من التقصير؛ فقد منحتها الظروف فرصا عديدة، لكنها لم تفلح في استغلالها. كان لأحزاب كبرى، مثل الجبهة الأردنية والتيار الوطني وتجمع أحزاب اليسار، أن تحضر بقوة أكبر في المشهد الانتخابي والسياسي، لكنها ترددت، وتراجعت عن اغتنام الفرص المتاحة للمنافسة، وتأكيد حضورها في الشارع. بينما تمكّن تيار من بضع مئات من الشبان في 'عمان الثالثة' من قلب الصورة، والتقدم على أكبر حزب سياسي في عدد الأصوات التي نالتها قائمته.
في مرحلة الأحكام العرفية، كان المرشحون للنقابات والبلديات، يحجمون عن كشف هويتهم الحزبية خوفا من قمع السلطات. بعد ربع قرن على التحول الديمقراطي، صار النواب الحزبيون يخشون المجاهرة بحزبيتهم تحسبا من ردة فعل عشائرهم!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة