الخميس 2024-12-12 07:59 ص

أَشْياؤهُ الصَغِيرَة

03:30 م

مي المصري - في فَجرِ يَومٍ حَزينٍ أشْعَلتُ سيجارَتي وَنَفَثْتُ الدُخانَ في أَعيُنِ الضُوء، مُسْتَرجِعةً الذِكْرَيات مِن صُنْدوقي الفضْيّ القَديم، كانَت الغُرْفَة مُعْتِمة والضُوءُ الأصْفَرُ الخافِت يُحاوِلُ إيجادَ النّور مِن أَزِقّة النَوافِذ، وأغْرَاضِي مُتَناثِرَةً بَينَ هُنا وَهُناك، وَحَتّى فُسْتاني الأسْوَد ذو القُبّة المُخَرّمة بَقيَ مُلامِساً لِجَسَدي مُنْذُ الأمْسِ وأحْمَر الشِفَاه يُحارِبُ مَعَ السيجارَة لِلبَقاءِ مُلْتَصِقاً بِشَفَتَيّ، لَكِنّ الدَوائِرَ التي تَكَوّنَت مِنَ الدُخان أخَذَتني لِعالمٍ كُنتُ بِقُرْبِك، كُنْتَ تَحْنو عَليّ وَتَسْأل عَنّي وأنامُ على كَتِفِكَ وتُسَرّح شَعْري ونَلهو مَعاً ونَضْحَكُ في الشَوارعِ البارِدَة فَتُحَيّ بِخُطواتِنا، تَخطِفُ يَدَيّ وتَعْزِفُ عَليها مَعْزوفَتَك، وأُغَنّي أنا مِن كَلِماتِ الهوى مَقْطَعاً نَقِفُ عِندَ كَلِماتِه كأنّنا أحبَبنا لِأوّلِ مَرّة وكأنّنا التَقَينا لِأَوّلِ مَرّة، وتَسردُ لي إحْدى قِصَصِكَ وأنا أبقى أتأمّلك لِأحْفَظَ كُلّ شَيءٍ مِن حَديثِك وحَرَكاتِ فاك وَلَمْعة عَينَيكَ وتَمَوّجاتِ يَدَيك، لِأسْتَحضِرَكَ عِندما تَغيبُ عَنّي كَأنّكَ أنتَ الذي كُنتَ أمامي وما أكْثر أيّام غِيابِكَ يا حَبيبي كَثيرة ومؤلِمَة، وعِندَما تَشعُر أنّي تَذَكّرتُ أنّ الذي أعيشُ بِهِ حُلْم تَرْسُمُ لي أبواباً جَديدَة لِحُبّنا وبِداياتٍ غَير مُتَناهية لِقُلوبِنا وتَقولُ لي هَيّا لِنُكْمِل طَريقَنا وبِكُلّ فَرَحٍ أُمْسِك يَدَيكَ وأفتَخِر أنّي مَعَكَ كأنّي أسيرُ في مَوكِبِ السُلطان أنْظر لِلجَميعِ وأنا مُبْتَسِمة ابتِسامةً مَريرَة لِأنّي أعرفُ حَقيقتَها أُحاوِلُ تَشتيتَ فِكري عَن أوهامِي وأفْكارِي ومُناوَراتِ المَنطِق لي، فَأسْألُهُ أسْئِلَةً مُغايِرةً لِلمَواقِف، فَقَط أسْئِلة غَيرَ مَدْروسَة لِأسْمَعَهُ أكثَر ويَتَحدّث ويَتَحدّث فَأذكُر شيءً مِن أيّامي وأقْصصهُ لَهُ وأسْتَرسِل، وعلى الرُغمِ أنّي أعلمُ أنّه يَسْمَع ويُفَكّر بِأشياءَ أخْرى كَثيرة غَيرَ الذي أقول لَكِنّي أُكمِلُ الحَدِيثَ حَتّى يُصْمِتَني بَابُ بَيتي، عِندَها أُمسِكُ الوَقتَ مِن جَميعِ أطرافِه لِيَقِفَ هُنا عِندَ هَذِهِ اللّحظة، لَكِنّهُ يَهرُب مِنّي وَيأخُذهُ ويَتلاشَى ظِلّهُ مَعَ الليل، وأَقُولُ لِنَفسي أيّ وَهمٍ عِشتُ بِه .



تُخالِط الدُموعُ وَجْهي وتَسيرُ بِراحة حَتّى تَصِلَ إلى ذَقني مُنتَظِرَةً السُقوط فَأمْسَحُها بِيَدَيّ وآخُذُ آخِرَ رَشْفة مِن فِنجانِ القَهوة، وأنْفُضُ الصَفوةَ عَن فُستاني وأخرْبِشُ الدّوائِرَ التي صَنَعَتْها هَذِهِ السيجارَة المُؤلِمة، وأفتَحُ النّافِذة وأقول: سَتَعودُ في هذا المَساء ونَلتَقي مِن جَديد فاذهَب أيُّها الحُزنُ عَنّي فأنا أُحِبّهُ أكثَرَ مِن حُبّ الشَمسِ لِلظُهُورِ في وَسَطِ السَماء ومِن رَغْبَةِ القَمَرِ في الاكْتِمال و أكثُرُ مِن كُلّ شَيءٍ كَثير في هَذِهِ البَسيطة.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة