الأحد 2025-01-19 07:55 ص

التحرش الجنسي في الأردن .. مستويات غير مسبوقة

11:08 ص

الوكيل- كل صباح، تعطي مريم نفسها متسعاً من الوقت حتى تتمكن من اللحاق بحافلة الساعة 7:10 التي تمر من أمام شقتها وتقلها إلى العمل كل يوم. وفي أحد أيام أوائل كانون الثاني (يناير)، لم تأت الحافلة. ولم يتبق أمامها خيار سوى أن تستقل سيارة أجرة.

عندما توقفت إحدى السيارات، كانت امرأة أخرى تجلس مسبقاً في المقعد الخلفي، لأنه وفقاً للأعراف المحلية، يتم الاحتفاظ بالمقعد الأمامي للذكور. وتتذكر مريم أن السائق 'طلب مني أن أجلس في المقعد الأمامي، لأن المرأة في المقعد الخلفي كانت تجلس بجوار الباب. وهكذا فعلت، معتقدة أن المرأة الأخرى ستكون معي طوال مسافة الركوب. لكنها نزلت من السيارة في مرحلة ما، وأنا لم أنتقل إلى المقعد الخلفي'. وعند هذه النقطة، كانت ومضات من الاشمئزاز والغضب تلون نبرة مريم التي عادة ما تكون هادئة متحفظة بغير ذلك.
السائق 'بدأ بالحديث عن الطقس، وقال: 'الجو بارد اليوم، فعلاً'. وأنا كنت أعتقد أنه يوم لطيف، فقلت: 'لا، إنه لطيف'. قال السائق: 'نعم، خصوصاً عندما يكون هناك ثلج. أتحبين الثلج؟ هل تلعبين بالثلج؟'.
مريم، التي كانت في منتصف العشرينيات من عمرها، أجابت بـ'لا'، إنها لا تحب الثلج.
'ثم قال: ’عندي صديقات... يقلن لي إنهن عندما يلعبن بالثلج يشعرن بملمس الثلج على أجسادهن، إنه شعور مدهش‘'، وتأكدت مريم الآن أن هناك شيئاً خطأ يجري، وخشيت أن يحاول السائق لمسها. ولذلك اختلست نظرة: كانت يده داخل سرواله، تتحرك.
واصل السائق الحديث عن الثلج حتى تمكنت من إقناعه بأن ينزلها. وقالت لي: 'في ذلك اليوم، لم أكن أريد أن أرى أي رجل. تمنيت لو أنني أعمل مع نساء فقط'.
بالنسبة للفتيات والنساء في الأردن، يشكل التحرش الجنسي في الأماكن العامة، -التعليقات غير المهذبة، اللمس، والتعريض غير اللائق، والرجال في السيارات الذين يحاولون التقاط النساء اللواتي يمشين على جانب الطريق- يشكل حقيقة من حقائق الحياة. ومع أن التحرش الجنسي ظاهرة عالمية، فإنه يشكل في الأردن ودول عربية أخرى ظاهرة جديدة نسبياً. قبل الثمانينيات -وهو الواقع الذي ما يزال سارياً في المناطق الريفية- كانت المرأة تميل إلى البقاء في المنزل، أو أنها تغادره فقط عندما تكون بصحبة الرجال. ثم أصبح عمل المرأة خارج المنزل أكثر شيوعاً. وبينما أصبحت النساء يظهرن في الشوارع ودخلن معترك الحياة العامة، ارتفع منسوب التحرش. وقد وصل التحرش في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، وفقا للنساء اللواتي قابلتهن، إلى مستويات غير مسبوقة من القبول الاجتماعي. ومع ذلك، يبقى تقاسم الخبرة بالحديث أو الإبلاغ عن الحوادث من المحرمات الكبيرة، وما يزال تحقيق العدالة للضحايا أمراً نادر الحدوث.
تنامت حملات مكافحة التحرش في الدول العربية في السنوات الأخيرة. وتنخرط العديد من النساء في المقام الأول في التنظيم عبر الإنترنت أو الاعتماد على وسائل الإعلام الاجتماعية، وبدرجات متفاوتة من النجاح؛ فحتى الآن، تمكنت تلك الأدوات من رفع منسوب الوعي، ولكنها لم تكن كافية للتأثير على السياسة. وتشعر كثير من النساء بالإحباط من حقيقة أنه ما يزال يترتب عليهن حتى الآن تعبئة المجتمع وتوعيته حول قضية التحرش بطريقة يؤمل أن تؤدي إلى تغيير حقيقي.
'التحرش ثقافة'، كما تقول خضرة، طالبة الدراسات العليا ذات الرابعة والعشرين ربيعاً، والتي تدرس في الجامعة الأردنية في عمان. وما يزال التحرش الجسدي واللفظي وفي الإنترنت، يحدث في الشوارع، وفي الحدائق، في وسائل النقل العام، وفي المدارس والجامعات. وعلى الرغم من انتشاره الواسع، فإن البحوث والإحصاءات الرسمية حول التحرش في الشوارع في الأردن لا وجود لها، وفقاً لأسمى خضر، أمين سر اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة. كما أكدت منال سويدان، رئيسة قسم إحصاءات النوع الاجتماعي في دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، أن الدائرة 'ليس لديها... أي بيانات رسمية فيما يتعلق بالتحرش الجنسي'. وتقدر أسمى خضر ارتجالاً أن 80 في المائة من النساء يواجهن التحرش، و'أن النسبة آخذة في الازدياد'. ويجعل عدم وجود بيانات رسمية من قياس حجم المشلكة ومعالجتها أمراً صعباً.
'حتى بالنسبة للأكاديميين، يعتبر (التحرش) نوعاً من المحرمات'، كما تقول رولا قواس، أستاذة الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية، والتي تقضي حالياً إجازة تفرغ علمي في الولايات المتحدة. وتقول قواس إنه لا علم لديها عن وجود دراسات أكاديمية أو باحثين يركزون عملهم على قضية التحرش.
بالنسبة لمريم، التي يعيش والداها في مدينة الرمثا الشمالية -وهي تعيش خبرة غير اعتيادية بالعيش مع زميلات سكن، بينما تعيش معظم الأردنيات مع والديهن حتى الزواج- ما تزال حرية المرأة في المجيء والذهاب كما تشاء محدودة بالخوف من حدوث شيء لها عندما تخرج. وعندما تتعرض للمضايقة، 'لا أستطيع أن أفعل أي شيء، في العادة'، كما تقول. وتبقى حقيقة أنها لا تستطيع، -أو لا ينبغي لها- أن تسعى إلى تحقيق العدالة أو مواجهة المتحرش بها، أمراً محبطاً للغاية، كما تضيف. وكانت قد ذهبت ذات مرة إلى الشرطة للإبلاغ عن رسائل نصية 'صريحة' كانت تتلقاها من رقم هاتف غير معروف، لكنهم نصحوها بأن لا تفعل، وقالوا لها: 'ليس هذا جيداً لك، لسمعتك'.
تشكل السمعة مسألة ذات أهمية قصوى في المجتمع الأردني، و'الحديث عن التحرش سوف يؤثر، بطبيعة الحال، على سمعة الفتاة، لأن الجميع سيلقون اللوم عليها هي'، كما توضح خضرة. 'سوف يقول المجتمع إن الأمر كله ذنبها، لأن الرجال قابلون للإغواء'. ومثل العديد من النساء الأردنيات، تعيش خضرة في مكان ما بين التقاليد والحداثة، في حالة من التسوية الضرورية للحفاظ على بقائها الاجتماعي نفسه. وهي فتاة واثقة ومشاكسة، تصف نفسها بأنها نسوية، وتدخن خمس سجائر متعاقبة في الساعة. ولكن، وعلى الرغم من أنها لا تحب غطاء الرأس ولا تؤمن به، فإنها ترتديه 'من أجل حماية سمعة والدي وعائلتي'. وتعيش خضرة في عمان، لكنها تنحدر من قرية شمالية يحتل فيها والدها مكانة قبَلية مرموقة. وتشرح خضرة: 'هذا هو السبب في أنني أرتدي الحجاب'. وحتى مع كل حجم التمكين الذي تتمتع به خضرة، فإنها تشك بأنها ستقوم بالإبلاغ عن متحرش في أي وقت من الأوقات، لأن العواقب ستكون أكبر على أسرتها مما ستكون عليه، كما تقول. ذات مرة، عندما حاول رجل لمسها في إحدى الحافلات، قامت بالانتقال من المقعد ببساطة. وقالت: 'لم أكن أريد أن أسبب فضيحة'. إن مواجهة متحرش تعني 'أنكِ تهدرين الكثير من الطاقة، ولا تعرفين ما سوف يتأتى من ذلك'.
'المنظومة العقلية تلقي اللوم على الضحية، ولذلك تفضل معظم الضحايا عدم التحدث إلى أي شخص حول هذا الموضوع'، كما تقول أسمى خضر. وفي حال أخذت الضحية المتحرش إلى المحكمة، 'فإنها ستعاني، لأنها ستهدر الوقت والمال، وسوف تكون النتيجة لا شيء تقريباً'. إن الدليل على حدوث التحرش عادة ما يكون كلمة الضحية فقط، وهو ما يحمل القليل من الوزن في مجتمع يشكل فيه سلوك الضحية التفسير الافتراضي للتحرش أو الاعتداء، وحيث العقاب ضعيف جداً -في العادة غرامة قدرها خمسون ديناراً أو بضعة أشهر من السجن في حالة ردع تكرار الجريمة.
تقول المحامية خضر صراحة إن القانون الأردني لا يحمي المرأة. ففي قانون العقوبات الساري في البلاد، والذي يعود تاريخه إلى العام 1966، يقع التحرش تحت فئة 'جرائم ضد السلوك العام القويم' بدلاً من فئة 'الجرائم ضد الأفراد'، حيث يجب أن ينتمي، كما تقول خضر. وهكذا، لا يعتبر التحرش قانونياً بأنه 'هجوم... على الشخص الذي تم تحرش به'، وإنما يُعتبر جريمة ارتكبت ضد المجتمع ككل.
علاوة على ذلك، فإن مصطلح 'التحرش' الحديث لا يظهر في أي مكان في القانون الذي ما يزال يستخدم مصطلحات من العصر العثماني، حيث يتم استخدام عبارة 'فعل غير محتشم' بدلاً منه، كما تقول خضر. ومع ذلك، فإنه 'ليس هناك تعريف' أو مثال ملموس على ما يعنيه ذلك. وتعمل اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة في الأردن على محاولة ضمان معالجة مسألة التحرش بشكل واضح في قوانين العمل والتعليم، وكذلك في قانون العقوبات، ولكن خضر لا تستطيع تحديد موعد محدد لاقتراح هذه التغييرات.
في مجتمع أبوي مثل في الأردن، 'يشعر الرجل بأن أي امرأة متوفرة تكون متاحة له'، كما تقول خضر مع ضحكة جافة. وفي الأردن، لا يتحمل الرجال أي مسؤولية عن أفعالهم، في حين تعتبر المرأة مسؤولة عن كل ما يحدث لها. وقد أصبحت هذه العقلية متأصلة حتى أن 90 في المائة من الأردنيات، يعتقدن -وفقاً لإحصاءات الحكومة الأميركية المحدثة أخيراً في العام 2007- بأن 'للزوج/ الشريك ما يبرر ضربه زوجته /شريكته تحت ظروف معينة'.
في نهاية المطاف، شكلت عوامل القلق على السمعة، وعدم وجود الحماية القانونية أو العواقب، والاعتقاد الراسخ عميقاً بأن المرأة هي المخطئة، شكل كل ذلك مزيجاً شل إمكانية تناول مشكلة التحرش في الأردن ومعالجتها. وكما تقول مريم: 'لا أحد يفعل أي شيء حيال ذلك'.
في العام 2011، اجتاحت منطقة الشرق الأوسط موجة من الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي عُرفَت باسم الربيع العربي. وقد وضعت هذه الانتفاضة نهاية لديكتاتورية الرئيس حسني مبارك التي دامت ثلاثين عاماً في مصر؛ وأسقطت زين العابدين بن علي، الذي كان قد تولى الرئاسة التونسية لأكثر من عقدين من الزمن؛ وأطلقت حرباً أهلية في سورية أصبحت الآن في عامها الثالث. وقد صممت المرأة العربية على أن لا يتم استبعادها أو نسيانها وسط هذه الاضطرابات الكبيرة. وشرعت النساء في إطلاق -أو توسيع- الحملات والحركات التي تركز على حقوق المرأة، بما في ذلك الحق في العيش بلا اضطهاد أو تحرش.
لكن كان للربيع العربي أثر آخر: وقعت اعتداءات جنسية على النساء، وأفظع ما يكون في مصر، وبتكرار ووحشية يبعثان على الصدمة. وباعتبارها تكتيكاً استخدمته القوات المسلحة المصرية خلال الاحتجاجات لترهيب النساء ومنعهن من المطالبة بحقوقهن، تسببت هذه الهجمات بظهور شكل منظم من مكافحة التحرش، وساعدت في إيصال هذه الظاهرة إلى دائرة الضوء العالمية. وبالاستفادة من ميزة المجهولية وإخفاء الهوية الذي توفره وسائل الإعلام الاجتماعية لجهة جمع البيانات التي تمس الحاجة إليها وتحييد اعتبار الحديث عن الموضوع من المحرمات، مكنت هذه الحملات النساء الأفراد من اكتشاف أنهن لسن وحدهن اللواتي اختبرن التحرش في تجاربهن الخاصة. وقد ساعد توثيق حالات التحرش 'حتى يراها العالم' في جعل الظاهرة 'حقيقة لا يمكن دحضها'، كما كتبت لبنى حنا الصقلي، الأستاذة التي تركز على قضايا الجنس والشباب والاتصالات، في مقالة كتبتها في العام 2013 عن التحرش الجنسي في شمال أفريقيا.
تقدم ديالا حيدر من لبنان مثالاً على النساء اللواتي شحذ هممهن الربيع العربي في هذا الصدد. وقد أنشأت في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، إلى جانب أربع نساء أخريات من لبنان وفلسطين ومصر، صفحة على الإنترنت، باسم 'انتفاضة المرأة في العالم العربي'، 'لأننا لا نريد أن يتجاوز الربيع العربي حقوق المرأة'، كما أوضحت حيدر عبر البريد الإلكتروني. ومن خلال حملة 'انتفاضة' على الإنترنت تحت عنوان 'قولي قصتك'، تقاسمت النساء من جميع أنحاء المنطقة تجاربهن مع التحرش والاعتداء والعنف.
إحدى هؤلاء النساء كانت خضرة. وهي فتاة تتعامل بانتظام مع التحرش في الشوارع، لكن الأكثر إيلاماً كان صدمة تجربة تعرضها للاغتصاب على يد أحد أبناء العمومة من عمر 9 إلى 11. 'لقد لمتُ نفسي لفترة طويلة جداً'، ولكن حتى قبل نحو عامين، 'لم ألتق بأي شخص... أستطيع أن أحدثه عن الأمر'. وبعد قراءة قصص نساء أخريات على موقع 'انتفاضة'، قررت خضرة المشاركة: 'شعرت أن ذلك سيساعد نساء أخريات في وضعي، واللواتي ربما شعرن... بأن هذا الأمر لم يحدث لأحد غيرهن من قبل'. إن قول الحقيقة، كما تقول، كان مبعث راحة هائلة.
تتذكر مريم أيضا إشارة 'إعجاب' (Like) التي وضعتها لصفحة انتفاضة على 'فيسبوك' عندما تم إطلاقها أول مرة على الإنترنت. واليوم، أصبح للصفحة أكثر من 121.000 إشارة 'إعجاب'، لكن مريم أصبحت متشككة حول ما إذا كانت الصفحة تصنع أي فرق في مكافحة التحرش من الأساس: 'إنني أتساءل عما إذا... كان لدى الأشخاص الذين يتحرشون وصول إلى وسائل الإعلام الاجتماعية في المقام الأول'، أو أن مرورهم بصفحة 'انتفاضة' -إذا ما صادفوها- سيغير وجهات نظرهم أو سلوكهم. لكن حيدر من جانبها ترفض مثل هذه المخاوف. وتقول: 'لا أعتقد أن التحدي المتعلق بالتغيير الاجتماعي' يكمن في 'إقناع المعارضين أو اللامبالين بحقوق المرأة'. إن التحدي الحقيقي يكمن في تطوير التضامن، ووضع 'خطة عمل صلبة' من أجل الوصول إلى 'بديل ذكي وقابل للحياة للنظام الأبوي القبيح القائم'.
إحدى المنظمات التي تمتلك خطة عمل صلبة هي منظمة HarassMap في مصر. وتهدف هذه الحركة التي انطلقت في أواخر العام 2010، أي قبل الربيع العربي، إلى جعل التحرش في الشارع فعلاً غير مقبول ثقافياً، وسخّرت في سياق هذه العملية قوة الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية لجمع التقارير عن التحرش. 'هذه التقارير تعطينا الكثير من المواد لإثبات خطأ كافة الصور النمطية والأعذار والأساطير الموجودة'، كما توضح نورة فلنكمان، مديرة الاتصالات في منظمة HarassMap -مثل الاعتقاد بأن النساء يتعرضن للتحرش 'لأنهن يرتدين هذا أو ذاك من الملابس، أو لأنهن يمشين وحدهن'.
يجري جمع بيانات منظمة HarassMap على الإنترنت، كما تقول فلنكمان، لكن نشاط الحركة يحدث خارج نطاق الإنترنت، في العالم الواقعي أيضاً. وهناك أكثر من 1.000 من المتطوعين والمتطوعات الذين يعملون في فرق تستهدف المارة وتوعيتهم حول السبب في أنهم يجب أن يجهروا بالكلام والاعتراض عندما يشاهدون واقعة التحرش.
عروب صبح، الشخصية الإعلامية الأردنية والناشطة الصريحة في حقوق المرأة، تشيد بصفحة 'انتفاضة' وتمتدح عملها في إثارة وعي 'مفيد جداً' بهذه المسألة. لكن 'موازاة ذلك يجب أن تكون العمل الجاد على القوانين والإعلام' من أجل دفع الحكومة والمجتمع إلى معالجة التحرش ومخاطبته باعتباره مشكلة حقيقية.
في الأردن، يجادل بعض المراقبين بأن الربيع العربي تجاوز البلد تماماً في كثير من المسائل التي تحتاج إلى إصلاح. وفي الحقيقة، ما تزال الحركة من أجل التغيير الاجتماعي في الأردن ضعيفة، وغير قادرة على تحويل مشاعر الإحباط والوعي بالمشكلات ومتعلقاتها إلى فعل واسع النطاق. وقد عملت الحرب الدائرة في سورية المجاورة، واستمرار الاضطرابات في مصر، على ردع معظم الأردنيين عن الدفع من أجل التغيير، حتى في مجالات محددة مثل التحرش. وبينما يضم الأردن فعلاً بعض المنظمات التي تُعنى بحقوق المرأة، فإن العديد من النساء الأردنيات اللواتي جرت مقابلتهن أثناء إعداد هذه المادة، وامرأة أكاديمية واحدة على الأقل، أشرن إلى أن الدولة قامت باحتواء غالبية هذه المنظمات، وأنها أصبحت تعمل من أجل التغيير بالتناغم مع توجهات الدولة وعلى القضايا التي تناسب احتياجات الحكومة (مثل العمل على كيفية الوفاء بالكوتات الدولية لمشاركة المرأة في الحكومة). ونتيجة لذلك، تفتقر هذه المنظمات غالباً إلى الدعم الشعبي؛ كما أنها ليست لديها منصات تطالب بإحداث تغييرات جوهرية يكون من شأنها أن تؤثر على حياة النساء اليومية.
يمكن النظر إلى الصمت المحيط بالتحرش في الأردن باعتباره مماثلاً للصمت الذي كان سائداً في مصر قبل ست سنوات، أو حتى قبل ذلك. وعندما بدأ المركز المصري لحقوق المرأة في استكشاف السبل لمعالجة التحرش، وجد 'نقصاً خطيراً في المعلومات المفيدة'، بما في ذلك البيانات والإحصاءات التي يمكن أن 'تحدد طبيعة المشكلة وتقدر مدى إلحاحها'، كما أشار المركز في تقرير أصدره في العام 2009. ولذلك، قام المركز المصري بإجراء بحوثه الخاصة، وتصدر عناوين الأخبار في العام 2008 عندما وجد أن 83 في المائة من النساء المصريات واجهن نوعاً أو آخر من أشكال التحرش. وقد ساعدت السمعة السيئة التي كسبتها مصر منذئذ كعاصمة للتحرش والاعتداء الجنسي في تسليط الضوء على هذه الظاهرة وحفز العمل على مواجهتها بالتحديد.
* * *
في أواخر العام 2012، ظهر على الإنترنت مقطع فيديو مدته دقيقتان ونصف. كان موقع تصويره هو حرم الجامعة الأردنية، وضم الفيلم صور طالبات يحملن شاخصات خُطت عليها العبارات الشائعة التي تُسمَع من المتحرشين، وكانت قد أنتجته قبل بضعة أشهر أربع طالبات لأحد المساقات التي تدرسها رولا قواس. وعندما انتهى الأمر بذلك الفيديو على يوتيوب، كانت التداعيات مدمرة.
انتشر الفيديو بسرعة فيروسية، كما تتذكر وسام (التي رغبت استخدام اسمها الأول فقط)، وهي طالبة أخرى في صف ذلك الفصل الدراسي. كان الاستقبال سلبياً على نحو مثير للصدمة، مع مجرد 'واحد أو اثنين أو ثلاثة من التعليقات التي كانت داعمة فعلياً' لمحتوى الفيلم، لأن الناس اعتقدوا أن المصطلحات التي اختارت الطالبات عرضها في شريط الفيديو كانت متطرفة، على الرغم من أن تلك التعليقات 'هي ما نختبره ونواجهه فعلاً'. وعلى الأثر، فقدت قواس عمادتها لكلية اللغات الأجنبية، لأن الإداريين، كما تعتقد، شعروا بأن الفيديو 'دمر سمعة الجامعة... (أنا) يمكنني تحمل ذلك'، كما تضيف، لكن الفتيات اللواتي صنعن الفيديو عانين. وقد تعرضت اثنتان منهما على الأقل للرفض والازدراء من أسرهن، وفقاً لوسام وقواس، ولم تكن أي منهن مهتمة بالتحدث معي حول ما حدث.
لا يمكن بسهولة تقدير حجم الردع الذي تسبب به ذلك الفيديو للنشاط المضاد للتحرش أو فصله عن المحرمات المحيطة به والموجودة مسبقاً. 'إن لدينا الإرادة، ولدينا القدرة'، ولكننا 'نفتقر إلى التنظيم' للنضال على مستوى القاعدة الشعبية، كما تقول صبح. أو ربما -وهي ليست متأكدة من ذلك تماماً- 'لأنه ليس لدى (الناس) إيمان بأن ذلك سيغير أي شيء'.
إليزابيث ويتمان -
(ذا نيشن) 17/4/2014
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة