الأحد 2024-12-15 23:28 م

الخوف من "الداخل"

07:48 ص

يكرّر رئيس مجلس الأعيان السابق، طاهر المصري، في جميع محاضراته الأخيرة، الحديث عن أهمية 'تصليب' الجبهة الداخلية. وهو الموضوع الذي يتكرر صداه لدى كثير من السياسيين والمسؤولين. وما أزال أذكر إحدى أهم الجمل في مقابلة سابقة أجريتها مع المهندس عبدالهادي المجالي، ونُشرت في 'الغد' (قبل 5 أعوام)، وهي قوله: 'ولّى عهد الخوف من الخارج، فالخوف اليوم من الداخل'! وربما أحد أهم المفاهيم، والذي اجترحته مؤسسة سيادية، قبل أعوام، هو مفهوم 'السلامة الوطنية'، الذي يشير إلى الجبهة الداخلية، وما تواجهه من التداعيات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية، في سياق استنطاق الأخطار التي تواجه الأردن.

في الأثناء، تدفع الأخبار المتتالية عن الجرائم؛ من سرقة السيارات والاعتداء على الأموال العامة، والعنف الاجتماعي والجامعي، والتنمّر على القانون، وانهيار القيم لدى المواطنين، عموماً، إلى حالة من القلق من دلالات وتداعيات تكرار وانتشار هذه الظواهر الخطرة.
بالرغم من هذا الإدراك المتنامي، نخبوياً وشعبياً، لأهمية الجبهة الداخلية والقلق عليها، إلاّ أنّ المشكلة التي تواجهنا، عموماً في الأردن، تتمثل في أنّنا لا نحدّد مصطلحاتنا ومفاهيمنا؛ فنضيع في تفاصيل وسجالات ومناقشات متشعبة، بلا نتائج جوهرية! إذ عندما نتحدث عن الوطن البديل والتوطين والهوية الوطنية، فإن كلّا منا يقصد معنى خاصاً. وكذلك الحال بالنسبة لخطة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للسلام. وحتى في تعريفنا لمفهوم الإصلاح السياسي، فإننا نغرق في سجالات ونقاشات بيزنطية عقيمة، من دون الوصول في العادة إلى خلاصات ونتائج واضحة ومحدّدة، حتى إنّ الحراك الإصلاحي نفسه يختلف في تحديد أولويات الإصلاح ومضامينه، ما ساهم في تشظّيه وانشطاره.
الحال نفسها تنطبق في حديثنا عن الجبهة الداخلية، سواء لدى من يصاب بالقلق عليها أو من هو مطمئن نحوها؛ إذ يبقى الحديث يدور في عموميات وكلام إنشائي من دون برمجة وترجمة مفيدة، أو تقديم تصورات للحلول! ومن دون أن نحدّد، بدقة، فيما إذا كنا نقصد بالجبهة الداخلية موضوع الإصلاح السياسي أم سيادة القانون أم الفساد أم الهويات الفرعية أم العنف الجامعي والمجتمعي، أم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية، أم انعكاسات الهجرات المتتالية.
تلك التداخلات والالتباسات تتطلب جعل المهمة الأولى، التي تواجه السياسيين والخبراء والمعنيين، هي التمييز بين الأسباب والنتائج والمسبّبات، والأولويات، كي نتمكّن من بناء تصوّر وطني لمصادر التهديد والتحدي، ووضع رؤية دقيقة لحالة الجبهة الداخلية، بدلاً من الكلام العائم الغائم!
قبل هذا وذاك، من الضروري أن نتجاوز الذرائعية في تبرير الأخطار والأزمات الداخلية؛ فتجذير ميزة الاستقرار والأمن ومأسستها، لا يعنيان الركون إلى الانطباعات السطحية بأنّنا حالة مختلفة، وأنّنا 'محصّنون' مما أصاب غيرنا، بل على العكس تماماً من ذلك، من الضروري أن نعيد التفكير والقراءة في حالة 'الجبهة الداخلية'، ومدى صلابتها وقوتها وتماسكها، من أجل بناء جدران الحماية مسبقاً، كي لا يصيبنا شرر ما يحدث من حولنا، طالما أنّ المؤشّرات والوقائع تؤكد بأنّ المنطقة مقبلة على مزيد من الكوارث والتهديدات، لا العكس، فأهمية الجبهة الداخلية تزداد مع مرور الوقت.
وقّى الله الأردن من التهديدات التاريخية، وتجاوز محطّات فاصلة وحاسمة في العقود الماضية؛ ووقّى الله البلد، أيضاً، شرور ما يحدث حولنا. لكنّ ذلك يدفع إلى معالجة الاختلالات والأخطار، بعد الاعتراف بها، والعمل على تجاوز ما وقع به الآخرون، لا العكس!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة