الأحد 2024-12-15 13:47 م

الزير والكيلة ..

08:40 ص

في مجتمعاتنا القروية , كان الزير يمثل ضرورة مهمة من ضرورات المنزل ..كونه يمنح الزوار وأهل المنزل , الماء البارد ...وحتى يتجاوز الفخار حرارة الصيف اللاهبة , كان يغطى (بالخيش) المبلل كي يحفظ الماء باردا .

وثمة غطاء خشبي كان يوضع فوقه , (وكيلة) من النحاس ...تربط بطرف الزير حتى يستعملها الشارب , في عملية غرف الماء ...
ذات يوم عدت , من مدرستي متعبا بفعل حرارة الطقس وطول المسافة ..وهجمت فورا على (الزير) , ولكن الماء فيه كان أقل من النصف , ولم تسعفني يدي في أن تصل إلى القعر حتى أغرف ...حاولت كثيرا , لدرجة أني وضعت طوبة كي ترفعني أكثر ...لكن ذلك لم يسعفني أيضا لأن المشكلة لم تكن في منسوب الماء ولكنها كانت في يدي القصيرة .
وتلك مشكلة لم تكن تواجهني وحدي , كانت تواجه كل الأطفال ..فحين ننهي مبارة كرة قدم عابرة , يتخللها سقوط (الطابة) في منزل الجيران , كنا نقصد (زير) المسجد كي نشرب منه , ونواجه نفس المشكلة حين يكون الماء منخفض المنسوب وأنتم تعرفون أن الماء حين يأتي من الحنفية , يكون مكدرا أحيانا ...وأحيانا ساخنا ولا يروي ظمأ الصبية , بعكس ماء الزير البارد والنقي , والذي يعتريه طعم شهي للفخار وينفذ في الروح تماما .
كنا نتذرع أحيانا بعمق الزير , وأحيانا بأن (الكيلة) صغيرة والمشكلة لم تكن لا في (الكيلة) ولا في (الزير) كانت في اليد القصيرة ...
في بلادي الحب يشبه منطق (الزير والكيلة) أحاول قليلا أن أغرف ..ولكن يدي في الحب هي الأخرى قصيرة , ولا تقوى ...وحتى في الفكرة التي أنثرها على ورق الجريدة , أحاول أن أغرف أيضا ..ولكنها قصيرة ولا تسعفني القطرات في نثر مقال على الورق .
وحتى الراتب في لحظة تشعر أنه في القعر , وتشعر أمام الصراف الالي للبنك بأنك عدت لزمن , ما عاد منسوب الماء في( الزير) ..يطفىء الظمأ , أو يسد الحاجة .
حين أنظر للحياة , من زاوية القلق ..ولكل ما يحدث لدينا في السياسة والإقتصاد وفي الحب والحياة ...أكتشف أني بالرغم من العمر , بالرغم من يدي التي طالت قليلا إلا أن حقيقة يجب أن نقبل بها ..في العلاقة بين (الكيلة والزير واليد) وهي أن الماء نفذ ..لم يعد هناك ماء ...وما نفع (الكيلة) إذا ؟


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة