تتغير قواعد الاشتباك السياسي والاستراتيجي في الإقليم بسرعة وتعود القضية الفلسطينية مجددا إلى واجهة الأحداث والأولويات الدولية والإقليمية، وعلى الرغم من بعض المحاولات الدافعة نحو تسخين جبهات أخرى، وإعادة تعريف مصادر التهديد وحرف بوصلته؛ فإن الحراك الدولي والشعبي في الأسابيع الأخيرة أعاد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية؛ في هذا الوقت ما تزال المنطقة تواجه حالة من الغموض الاستراتيجي، وتحديدا في مواقف دول مركزية في الإقليم.
السياسة لا تعني كسب كل شيء، وحتى الحروب لا تعني كسب كل المعارك، لكن المشكلة في هذا الجزء من العالم أننا نمارس السياسة بذهنية القبيلة المملوءة بالنزعات العصبية وبالثأر والغيظ أيضا. لم نتعلم بعد أن وقف الخسائر هو مكسب بحد ذاته، كما أنه لا يمكن تصور ممارسة السياسية بأنه كسب على طول الخط أو خسارة على طول الخط أيضا.
إن بناء جبهة سياسية واستراتيجية واضحة حيال ملف القدس تحديدا حاجة وضرورة، قد تفضي إلى حسم ملفات استراتيجية مزمنة خلفها الفراغ العربي الذي ساد حيال الصراعات في المنطقة، وعلى رأسها استعادة العراق وسورية إلى العالم العربي، ووقف النزيف العربي في اليمن، والانتباه إلى ما يحدث بالصراع الدولي في ليبيا، وتخفيف وطأة النفوذ الإيراني، وإطلاق عقلانية سياسية عربية جديدة تنقل النظام العربي الهش والمريض من موضوع مطروح على طاولة النقاش إلى طرف فاعل وأساسي في النقاش على مستقبل المنطقة، وهذا يعني بالدرجة الأولى تعلم أن ممارسة السياسة لا تعني كسب كل شيء.
ثمة رغبة مشتركة تقودها القوى الكبرى في تجنب الدخول في أحداث كبيرة أو أزمات مفاجئة في الشرق الأوسط، فالكل يدرك أن المنطقة أنهكت بالحروب والاقتتال والأزمات والصدمات، والكل ينتظر. سياسياً، هناك حالة من توازن الضعف تسود العالم، بفعل موجة العسكرة الهائلة التي لم تمارسها الولايات المتحدة وحدها بل مارستها أيضا روسيا والصين وبعض الأطراف الأوروبية؛ هذا المناخ الدولي استثمرته روسيا في توسعها في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتعمل الولايات المتحدة هذه الأيام على إنتاج نسخة جديدة من نفوذها، حيث من المتوقع أن يدخل الشرق الأوسط مرحلة كساد سياسي، يضرب بالصغار والكبار معا. التهدئة الجديدة وتقاسم الأدوار لا يعنيان فقط أننا أمام مواسم من الصفقات السياسية الكبرى، بل أيضا احتمالات تفاهمات دولية تعيد كتابة تاريخ هذه المنطقة لعشرات السنين القادمة.
إن مصدر الصراع التاريخي حول الشرق الأوسط يكمن في إغراء الجغرافيا السياسية وما تشكله من قيمة اقتصادية مضافة لها، وفي كل حلقة تاريخية من حلقات الصراع منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام كانت مضامين وخطابات الصراع تتغير، إلا أن الجغرافيا تبقى ثابتة، منذ أن نشأت الحضارات الأولى في بلاد الرافدين ومصر القديمة ومنذ أن شهد الشرق القديم أولى المدن وأولى الدول وأول النظم الإدارية وأول المقاييس والحسابات في التاريخ، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم بقيت حسابات التاريخ -وما تزال- قائمة على الجغرافيا وحساسياتها ومواردها ورموزها الثقافية، وهذا ما ستثبته السنوات القادمة؛ حينما نرى من يعرف أن يقرأ الخرائط جيدا.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو