الوكيل - أحد المفكرين القلائل في الدولة الأردنية، قال وهو يقلّب أوراق صحيفة تضمنت ندوة لسياسي أردني إنه 'يتمنى' لو يجد سياسيا خرج عن تغريد السرب وأتى بجديد، متسائلا 'متى سيقف السياسي الأردني موقفا خاصا به'.
ما قاله المفكر ليس بجديد، فرغم أن السنوات الأخيرة قد أرست قواعد مختلفة للسياسة في المنطقة، في ضوء الثورات وتغييرات موازين القوى والتحالفات إلى جانب التسارع في التطور التكنولوجي، إلا أن الكثير من المسؤولين الأردنيين ما عادوا قادرين على الإتيان بجديد في التحليل أو اتخاذ المواقف، حتى أولئك الذين يظهرون 'كـخارجين عن الصمت' ومتحدثين في 'حساسيات الأمور'، يمكن بسهولة اكتشاف أنهم اطمأنوا لتجاوز غيرهم للخط الأحمر الذي نعتقده، فينسخون التجاوز ولا يخرجون عن حدوده قيد أنملة.
عدد من السياسيين البارزين في الدولة ومن لهم باع طويل في السياسة، قدموا مؤخرا طروحات وأفكارا اعتبرتها وسائل الإعلام 'مكاشفة وصراحة وجرأة بالطرح'، رغم أنها لم تتجاوز للقارئ المدقق الكثير من مقالات وتحليلات لكتاب أردنيين وعرب، شخّصوا الحالة الأردنية والعربية بدقّة وما زالوا يشخصونها.
لجوء إلى خارج المطبخ !
وليست محاضرات السياسيين الأردنيين وندواتهم في الشؤون السورية والمفاوضات الفلسطينية إلا نماذج لما يقوم به سياسيو الأردن لمجاراة الزمن، فهم مهما حاولوا الخروج بجديد متجاوز للعادي، لا يستطيعون الوصول للريادة والتفرد بالتحليل، الأمر الذي يتحدث عنه الوزير والسفير الأسبق الدكتور أحمد مساعدة، بقوله إن 'أركانا' من الدولة الأردنية باتوا 'يتلقّفون' في الكثير من الأحيان 'تحليلات استراتيجية' لشخصيات ومراكز خارج اطار الدولة ويقومون بنسبها الى أنفسهم، لمجاراة القواعد الجديدة للسياسة.
ويضيق صدر السياسي الأردني في ضوء التغييرات الهائلة التي حدثت على شكل المنطقة الخارجي وعلى طرق التعاطي مع السياسة بشكل عام، فقد أصبح مطالبا بالوضوح والشفافية، في الوقت الذي لا تزال فيه أدواته 'بدائية' في السياق المذكور.
ويرى مساعدة أن هذه التحليلات شكلت بطريقة أو بأخرى 'بديلا' عن مركز دراسات استراتيجي خاص بالدولة، لم يطلع يوما على وجوده؛ آخذا على هذه الشخصيات عدم التفاتها لحقوق المحللين والكتاب الأدبية وملكيتهم الفكرية، الأمر الذي يفسره المحرر السياسي في صحيفة الجوردن تايمز المحلية رائد العمري بأن السياسي الأردني 'لم يستطع' حتى اليوم الاقرار بشراكة من أي نوع مع الصحافة أو مراكز الدراسات، وأنه 'أي السياسي' لا يزال ينظر لمثل هذه الشخصــــــيات بعين العداوة رغـم استــــــفادته منهــــــــــا بطريقة أو بأخرى.
ورغم اعتماد عدد من السياسيين على التحليلات المختلفة في الآونة الأخيرة، إلا أن عليهم عدم اغفال أن التحليل لا يحمل في طياته دوما 'معلومات دقيقة'، حسب ما ينصح الوزير الأسبق والعين الدكتور موسى المعايطة، الذي يؤكد أن السياسي عليه أن يكون ملما بصورة مباشرة على المعلومات الحقيقية ولديه 'تقنيات' اتخاذ المواقف على إثرها.
تغوّل وضياع المؤسسية..
وتتطلب المرحلة الحالية من السياسي الخروج عن المألوف من التحليلات التي لا تتوفر في مطبخ القرار إلا عن طريق أجهزة 'غير دستورية' تفكّر بمحدودية، الأمر الذي يتحدث الدكتور المساعدة في سياقه عن 'ضياع البوصلة' المؤشرة على مؤسسات صنع القرار، مضيفا أن المؤسسات الدستورية لا تظهر في اتخاذ القرارات إلا في 'بعض أروقتها'.
ويتفق المحرر السياسي العمري مع مساعدة، إذ يتحدث عن تغول في مراكز صنع القرار من قبل مؤسسات كالديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة، والمعروفة بالعقلية الأمنية المغلقة، مقابل تراجع لأدوار أصحاب الولاية الحقيقيين في الدستور 'البرلمان والحكومة والقضاء'.
ويرجع العمري الأسباب وراء ذلك لعدم وجود 'مطبخ' كامل الأركان في الدولة، معتبرا أن الطبخات السياسية في الأردن تكون على شكل 'بوفيه مفتوح'، تعدّ كل مؤسسة فيها ما ترغب من تحليلات وبالصورة التي تراها مناسبة، معتبرا أن الكثير من القرارات في الدولة 'لا نستطيع معرفة أسباب اتخاذها'.
ويشكل عدم وجود خطط استراتيجية طويلة المدى إلى جانب عدم استقرار الحكومات، جزءا من المشكلة حسب ما يراها الناشط السياسي ورئيس البرلمان الشبابي محمد الزواهرة، الذي تحدث عن قيام مؤسسات القرار باتخاذ مواقفها وفقا للحوادث والطوارئ، وهو ما سماه سياسة 'ردة الفعل'، موضحا أن السياسي الأردني غالبا ما يكون متأخرا في نظرته للمواضيع المختلفة بسبب عدم استجابته للارهاصات التي يطلقها المحللون الاستراتيجيون في المنطقة، إلى جانب عقليته القديمة التي لا تتماشى وتطورات الأوضاع السياسية.
وقد يشكل تسارع الأحداث الكبير، عاملا مثبطا للتفرد بالآراء والمواقف وبنائها على أسس علمية، وفقا للوزير السابق والعين موسى المعايطة، الذي عد التسارع في الأحداث، أحد الأمور التي على السياسي أن يجاريها في مواقفه وآرائه، التي 'يجب' أن تقوم وفقا للمفاضلة بين الخيارات المنبثقة عن 'معلومات دقيقة'.
ويرى المعايطة أن سياسيي الأردن يقومون بواجبهم، وأنهم إن كانوا 'داخل مطبخ القرار' فإن المعلومات التي تلزمهم تتوافر بين أيديهم مباشرة لاتخاذ مواقف على أساسها، الأمر الذي يطالب المعايطة السياسيين في سياقه بعدم التواني عن الوقوف بشكل شخصي وقريب على الملفات التي تمس الداخل الأردني كالقضية الفلسطينية ومفاوضات السلام، والملف السوري إلى جانب قضايا الجوار التي لا بد ستؤثر في عمان.
حلول.. ولكن !
ويتحدث المحرر السياسي العمري عن ضرورة إيجاد مركز دراسات استراتيجية ذي مصداقية يقوم على تحليل المعلومات والإرهاصات في الدولة، ويقدم النصح والإرشاد للسياسيين وصناع القرار، الأمر الذي قد يحوّل الأردن من مرحلة 'سياسات ردود الأفعال' بكل ما تمثله من 'تذبذب في المواقف' وتخبّط في الاتجاهات، إلى مرحلة 'صناعة سياسات وقائية ثابتة تضمن للأردن الاستقرار اللازم.
وليس إيجاد المراكز وحده ما ينهض بالسياسي الأردني مهما تقدمت مراتبه في الدولة، وهو ما يتطلب وفقا للوزير السابق مساعدة، وجود حكومات تمثل مرجعيات سياسية وايديولوجيات سياسية واضحة وتستند لاحزاب حقيقية، الأمر الذي يطالب رئيس البرلمان الشبابي في سياقه محمد زواهرة بإيجاد قانون انتخاب حقيقي ممثل، لما سيقدّمه من 'خدمة' للمجتمع الأردني بتغيير الشريحة الكبرى من السياسيين الحاليين، لتبدأ مرحلة سياسية حديثة، تحاكي الشارع وتفهم متطلباته.
رغم كل ما سبق، لن تنجح الدولة الأردنية في تغيير سياساتها وسياسييها قبل أن تنجح في تغيير النظرة السائدة لديها عن المحللين والمفكرين من خارج أروقة المؤسسات السيادية في الدولة، وعقد شراكة 'شرعية' معهم، تضمن حقوقهم الأدبية والفكرية، وتحفظ للأردن هيبة سياسييه.
لذا فإن مجرد إنشاء مراكز الدراسات وحده لا يمثل حلا إن لم يجد مطبخ القرار آلية ممنهجة لإيصال المعلومات لصانع القرار كما هي دون تحريفها، وتغيير فحواها لتتواءم ورؤى شخصية للأفراد؛ فالمرحلة الحالية ما عادت تحتمل الأدوات السياسية القديمة، ولا مكان في المستقبل لوجهة النظر الأحادية والتأخر في اتخاذ المواقف.
العرب اليوم
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو