الأحد 2024-12-15 12:27 م

الشاعرة الكردية كولالة نوري: المثقفون ينتظرون فريسة مختلفة عنهم كي ينقضوا عليها!

11:44 ص

الوكيل - بدأت معها هذا الحوار العربي الكردي سعيا مني ومنها للتعريف بمفاهيم كردية وابداعات مازالت بعيدة عن العربي الذي يتجاور مع الكردي جغرافيا، وثقافيا ودينيا باعتبار ان غالبية كبيرة من الشعب الكردي مسلمة وتمارس الشعائر الدينية الاسلامية التي يمارسها العرب المسلمون، والحوار هو السبيل الوحيد للتواصل بيننا، فكان هذا الحوار الذي آمل ان يستمر ويتواصل بين العربي والكردي في كل مكان من هذا الوطن ..

*بما تفسرين تعامل المثقفين الكرد مع من هم خارج قوميتهم بطريقة يبدو فيها الكثير من الحذر وكأنهم يعيشون في عالم سري يخافون اقتراب الآخر منه ؟
*هذا الكلام صحيح، ليست هناك عوالم سرية، والمهرجانات الكردية التي تقام في اقليم كردستان العراق تدعى اليها المثقفون والادباء العراقيون من القوميات الاخرى ومن دول متعددة عربية او اجنبية،يأتون و يقراون او يقدمون بحوثهم الادبية ويسمعون الادب الكردي مثل مهرجان (كلاويز) في مدينة السليمانية ومهرجان الشعر العالمي في مدينة دهوك ومهرجان الشعر الكردي الدولي في اربيل وغيرها من المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات الثقافية والادبية والفكرية التي يشارك فيها الادباء العرب من المدن العراقية الاخرى ودول عربية، وهناك مجلات عن الادب الكردي باللغة العربية تصدر في الاقليم مثل مجلة (جسر) لتعريف الادب الكردي الحديث بالمثقف العربي وقد كنت والى الان اترجم للمجلة القصائد والقصص الى اللغة العربية. وهناك مجلة سردم ايضا تعرف بالادب الكردي للعربي ومجلة (كلاويز) ايضا .كل هذه النشاطات التي تقام في اقليم كردستان تنفي تماما هذا الكلام .اضافة الى ان هناك حركة ترجمة كبيرة من اللغة الكردية الى اللغات الاخرى خاصة بالنسبة للمجلات الخاصة بالادب ..وفي بداية هذا العام خصصت وزارة الثقافة في اقليم كردستان مبالغ نقدية لتشجيع المترجمين للترجمة بين اللغات واللغة الكردية .
*لماذا لم يتعامل العربي مع إبداعات الكرد ؟
*كانت حركة الترجمة الى العربية بصورة عامة تميل نحو الاهتمام بالادب الغربي الاوربي او الامريكي،*ليس فقط لم يتعاملوا مع الادب الكردي ولكن ايضا لم يتعاملوا بدرجة كبيرة مع الادب الشرقي الحديث (مثلا الادب الفارسي الحديث او الروسي الحديث او الاسيوي الحديث) مقارنة بتعاملهم مع الادب الاوربي الغربي او الامريكي.
…والاضطهاد الذي تعرض له الكرد من محاولات التهميش السياسي لهم في الدول الاربع التي يقطنونها تضمّن ايضا تهميش الاهتمام بالابداع الكردي.لكن الحال تغير الان خاصة بالنسبة لاكراد العراق حيث هناك علاقات كردية -عربية طيبة ويتناول النقاد العرب كتابات الكرد والعكس ايضا صحيح .
*هذا الفاصل بين العربي والكردي هل من أسباب واضحة له ؟
*الفاصل طبعا في البدء كان سياسيا للعقلية الدكتاتورية في العراق، وقصور من قبل الطرفين الثقافيين في التواصل وربما للاعلام السيىء والنفوس الادبية المريضة دور في تجاوز الجانب الانساني في التعامل باتجاه التعامل القومي والطائفي. الان هناك ظاهرة محاول التهميش المبني على اسس طائفية وليس قومية فقط، من قبل بعض النفوس المريضة التي تحاول ان تلبس ثوب الابداع، لكنها لا تستطع التواصل في التمثيل. فتجده يفقد السيطرة على نفسه الامارة بطائفته.علينا ان نعرّف امراضنا ..حين كان لدي حساب في الفيسبوك كنت يوميا اتفاجأ بأصدقاء يتساقطون في جيفة الطائفة، فكيف لا يكون هناك فواصل بين الادبين العربي والكردي اذا كان الادب العربي نفسه يعاني بين طوائفه… بصراحة مؤلمة لم نستطع الا بنسبة ضئيلة تجاوز هذه المفردات والمفاهيم التي لا تخدم الادب المبدع والثقافة المتطورة مقارنة بالطموح الانساني النظيف .
*تشعر وأنت تقرأ النص الكردي أن هذا النص خلق لذاته أي ليكون منزويا مع ذاته فقط ..فهل هي خصوصية كوردية أم هو انعكاس شعور داخلي لصاحب النص على نصه ونفسه ؟
*ربما سبب انزوائه الظروف السياسية الكارثية التي مر به الكرد عبر عقود طويلة وتنمية الارادة الذاتية البحتة للتواصل اولا في العيش وتحدي الموت حتى في الحياة اليومية العادية واكيد هذا انعكس في ادبه ..لكن استطيع القول بان هذا قد يكون معبرا لفهم النفسية الكردية اكثر، واضيف ايضا بان الادب الكردي الحديث مبتعد عن هذه الذاتية الان لاطلاع ادبائه على آداب الشعوب الاخرى وبلغاتهم الاصلية نتيجة للهجرات الكثيرة الى الدول الاوروبية الشرقية او الغربية او الدولة الفارسية .
*التمسك بالقومية الكردية إلى أي حد يؤثر إيجابا أو سلبا على المبدع / المبدعة الكردية ؟
*ان تولد من ابوين من اي لغة كانت فهذا قرار الطبيعة وان تذكر بانك من قومية معينة هذا تحصيل طبيعة هذا الواقع وهذه الولادة. انا اتحدث الان عن الانسان، وسيكون هذا جزءا من مسيرة حياة سيؤثر على ادبه حالها حال اي مؤثر حياتي وتكويني،آخر واللغة جزء من ثقافة عامة لها دور اساسي في الاسلوب وتطوير الكتابة حتى لو كانت لغة ثانية او ثالثة ..لكنني لا افهم تماما عبارة التمسك بالقومية في الكتابة الادبية، لا اجد ضيرا ان يكتب احدهم باي لغة كانت خارج لغته الام ..فلدينا اسماء عربية مهمة ايضا لا يكتبون باللغة العربية بل بالفرنسية او الانكليزية ويفتخر العرب كونهم من اصول عربية .ولا يجدوا ضيرا في انهم يكتبون بلغة غير العربية طالما انه لديه ابداع يستحق الانتباه .
*لقاء الأجيال الأدبية والثقافية هل أنتج حوارا وإبداعا أم تصادما وصراعا؟
* بالنسبة لشخصي وكتجربة ذاتية كنت دائما احب مرافقة الاجيال السابقة لي لما لهم من دور في اغناء ثقافتي وحرفية الكتابة والتجربة الثرية في الحياة ..اعتقد بان الاجيال الادبية حالة صحية وتعبر عن استمرار دورة الابداع والتغيير نحو الافضل، ففي النتيجة (حتى لو كان هناك صراع في بعص الاحيان) يكون في مصلحة الابداع .بعبارة اخرى ارى بان التجييل حسب المفهوم العمري غيرمحبذ في رأيي والجيل الادبي هو الجيل المبدع سواء كان شابا ام متجاوزا مرحلة الشباب. فهناك ادباء استمروا بالكتابة المبدعة وتطوروا اكثر من كاتب شاب يعتبر مبدعا ضمن شروط الابداع .
*هل يعطل الرقيب الذاتي عملية الإبداع عند المبدع ؟
*طبعا جدا جدا ..الرقيب الذاتي اذا لم يكن في مصلحة او تشذيب الكتابة، حينها نفقدشرطا اساسيا لسمو الابداع .بعض الادباء ليس فقط يراقبون كتباتهم ولكن حتى انهم يراقبون انسانيتهم ويشذبونها حسب ما يتطلب منهم المجتمع حتى لو كان ذلك يناقض افكار كتاباتهم التي اشتهروا بها ـ هذه التناقضات صارخة في الوسط الثقافي والادبي ..نحن نعاني من ازدواجية المثقف والمبدع ..ازدواجية يتساقط على سلّمها معنى ابداعهم الورقي امامي..فلقد كففت عن قراءة كثيرين وكثيرات رغم ابداعهم الورقي لما رأيت من قصور واضح بالابداع اليومي في اسلوب الحياة لديهم، في طريقة التفكير في مفردات التعامل مع الآخر، مع المرأة بالتحديد.
* إلى أي حد تجدين انك حققت شراكة ثقافية انسانية مع آخرين عرب ؟
*هذه الشراكة حدثت من اول قصيدة نشرتها منذ عقدين، لقد تجاوزت مسألة عدم الشراكة لانني لم اواجه في الموصل او في بغداد مسألة كوني كردية واكتب باللغة العربية، لم اشعر يوما بذلك لم اجد اي حساسيات قومية من قبل المثقفين الحقيقيين العراقيين من القومية العربية، هناك في الموصل حيث بدأت الكتابة الفعيلة، ومن ثم في بغداد حيث استمريت من هناك، بل تم الاهتمام بابداعي بشكل كبير منذ اول قصيدة كتبتها ونشرتها ومنذ اول مهرجان شاركت به ..وكان الاحتفاء بالابداع هو سيد القرار، ربما كنا مجموعة من المثقفين والادباء العراقيين نريد ان نتجاوز هذه الفواصل لاننا كنا نواجه المشاكل ذاتها من حروب و حصار اقتصادي وثقافي امام جبروت الرقابة المسلطة على الجميع …كانت الانسانية الثقافية بأسنان لبنية والان اجد للمثقفين انيابا وكأنهم ينتظرون فريسة مختلفة عنهم سواء قوميا او سياسيا او طائفيا ..اي اختلاف كان .هذا محبط جدا .
*الترجمة إلى اي حد تجدينها مهمة في إيصال الشعر من لغة إلى أخرى ؟
*نعم طبعا مهمة جدا .رغم ان الترجمة دائما تسقط شيئا ما من الادب الاصلي ..اقصد تلغي شيئا ما جزء من روحية ذلك الادب ..وتظهر جانبا من روحية الكتابة للمترجم سواء اراد ذلك ام لا..يحدث دائما .اتذكر بانني ترجمت بعض القصائد الكردية للعربية وقارئ ما يعرف اللغتين قال بان ترجمتي قد سمت على الكتابة الاصلية .فاسقاط شيء ما احيانا يأتي في مصلحة الترجمة والكاتب الاصلي .
*المنفى وتأثيراته على هوية النص الكردي وإبرازه للوجود بروحه الكردية الموجوعة إن صحت التسمية ؟
* اي نص سواء كان كرديا ام بلغة اخرى سيتأثر بالثقافة او اللغة الجديدة التي يتعلمها المؤلف، لكن ثانيا يبقى هناك خيط ما في مكان ما في زاوية ما من ادبه يحيلنا الى ثقافته اللغوية الاولى. لا اجد بان الكاتب الكردي الذي يكتب باللغة الكردية استطاع ان يوصل درجة الموجوع فيه كانسان حتى الان ..حتى الادب الفلسطيني مع معاناة الفلسطينيين المستمرة لا يستطيع ان يبرز وجعهم الان لان ثقافة الصورة والصوت حلت محل تأثير الادب بالذات في مجتمعاتنا العربية، لان دور الكتاب ونسبة القراءة للكتب محدودة بالنسبة للمجتمع العربي مقارنة بالمجتمع الامريكي او الاوربي .كما يؤكد ذلك قوائم النسبية لكمية الكتب التي تقرا سنويا في البلدان العربية.
*الخارطة الكردية جغرافيا وثقافيا إلى أين تصل حدودها ؟
*جغرافيا ..هذا يحتاج الى بحث طويل في الموضوع، مرتبط بالتاريخ، وتاريخ تقسيم منطقة الشرق الاوسط والولايات المحتلة من قبل السلطان العثماني ثم توزيع حدود الامبراطورية العثمانية الغازية بين الدول المنتصرة الغازية ثانية وهذه التفاصيل بفضل الانترنت اصبحت متداولة الا لمن لا يبصر او لا يريد ان يفهم حقيقة التاريخ والواقع الان .الثقافة الكردية مشتركة في التفاصيل العامة في الدول الاربع التي يتواجد فيها الاكراد في تركيا والعراق وايران وسوريا .
* هل ثمة فرق بين تجربة شعراء الجزيرة ‘الأكراد’ وباقي شعراء الكرد في المنافي ومن هم في اقليم كردستان؟
*الجيل الجديد في اجزاء كردستان الاربعة لا يعاني هذا الفرق كثيرا لوجود وسائل الاتصال المتطورة من انترتت وقنوات الفضائيات. لكن حركة الترجمة في اقليم كردستان العراق نشطة (كما قلت) اكثر من والى اللغة الكردية، اضافة الى ان بعضهم يعرف لغة اجنبية ما بسبب الاجيال المختلفة من الهجرات. ولا اجد فرقا كبيرا في الكتابة بين من هاجرالى المنفى طوعا او كرها وبين من هم في الاقليم.
*ما رأيك في موضوع الحوار العربي الكردي وما هي استفادة الكرد من ذلك؟
*الحوار بين اي ثقافتين هو انتصار للانسانية وتأكيد للسلام ونبذ للشر الموجود من زمن قابيل وهابيل. هو استفادة للطرفين لان السلام والعيش بدون مشاكل هدف كل انسان على وجه البسيطة فلماذا يعقدون الامور؟ ولمذا يتعالى طرف انساني على طرف انساني آخر؟ فلا يملك اي انسان اكثر من عينين او رأسين او اذنين ولا يملك سوى حياة واحدة ليعيشها .فوجود اي انسان ككائن يتنفس لا فضل لطرف انساني آخر في ذلك عليه هو وجد كما وجد الآخر،بالطريقة نفسها في التزاوج والولادة ويتنفس برئة لها نفس الاجزاء ..ولا فضل لعربي على عجمي الا بتقوى الضمير في الاعتراف بالحقوق والواجبات الانسانية كأمتين لهما خصوصيتهما ويتشاركان ويتجاوران في قضية المكان والعادات .
*ترتقع الأصوات بالشكوى من غياب الشعر الحقيقي منذ سنوات فأين تجدين الشعر وكيف يمكن أن نحدد الشعر من غيره ؟
*يتغير مفهموم الشعر بين عصر وآخر تقريبا …لكن تفاصيل شخصية الشاعر الحقيقي هي نفسها ..بالنسبة لي الشعر الذي احدده بالجيد ..هو الذي لا املّ منه ..هناك كتب شعرية محددة مثلا اعيد قراءتها بين فترة واخرى وكأنها تتجدد بين فترة واخرى علما بانها نفس القصيدة مثل هذه الكتب كنت انقلها معي بين الدول لانني كنت اشتاق اليها ! هناك كتاب (عشرة الاف لمحة بصر)لا امل منه لداليا رياض من العراق .. ..وآنّا اخماتوفا الروسية وفروخ فرخزاد الفارسية الاكثر من رائعة …الشعر الحقيقي هو الذي ينبع من روح انسانية حقيقية ..وندرة الشعر الحقيقي الان تنبع من تشتت النفس البشرية وانزياحها نحو الشراو تبديل الاقنعة، الشعر المبدع لا يمكن ان يصدر من الذي يضع اقنعة في رأسه وروحه ووجهه …لا يمكن ان تسمى كتاباته شعرا حتى لو امتلك كل خطوط الكتابة الشعرية .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة