الأربعاء 2024-12-04 16:19 م

المناهج: هاجم ثم ناقش!

07:35 ص

القاعدة السائدة في الأردن، والتي تمثّل الحل السهل والبسيط لكل ساع إلى إحباط أي خطوة إصلاحية، في المجالات كافة، هي: هاجم ثم ناقش!



وكثيرة هي الأمثلة على ذلك، وآخرها ردة الفعل على تعديل الكتب المدرسية، والتي اصطلح على تسميتها 'معركة المناهج'! إذ جاءت الهجمة منظمة على الخطوة، استناداً إلى تهمة مزعومة، هي أن هذا التعديل، ولو أنه جاء بالحد الأدنى، ليس إلا هجوما على الإسلام ذاته، ومحاولة لسلخ الطلبة، ومن ثم الأجيال الصاعدة، عن دينهم وثقافتهم!


للأسف، أُنجزت المهمة، بعد أن تم تجييش الرأي العام، عبر بث الخوف بين كثير جداً من الأسر على أبنائها، بزعم المسّ بالقيم التي ينشأون عليها، فكان أن انتفض كثيرون لا في وجه ما اعتبروه 'نوايا مبيتة' فحسب، بل أيضاً ضد مبدأ التعديل والتغيير ذاته!


وبالمحصلة، تم إرعاب القائمين على الفكرة، لدرجة باتت تقلقنا من تراجع الحكومة، ممثلة في وزارة التربية والتعليم خصوصاً، عن تطوير المناهج، مع أنه يمثّل حاجة ملحة لا تحتمل التأجيل.
فحتى اللحظة، ما تزال اللجنة المكلفة بتقييم التعديلات التي أدخلت على الكتب المدرسية -وبعضها بالمناسبة تعديلات سطحية ومستفزة- تماطل في إعلان نتائج عملها، لكأن الأمر يماثل في صعوبته وتعقيده اكتشاف الذرّة!


بناء على ذلك، يكون المهم والواضح فعلاً، حتى الآن، أن الهجمة التي تمت نجحت في النيل من الهمم، وأضاعت البوصلة، بحيث نسينا عيوب النظام التعليمي ومخرجاته الكارثية التي تمتد من وجود آلاف طلبة المدارس الأميين، إلى تخريج جامعيين 'لا يفكون الخط' بالقول الشعبي.
ويبدو أحد مؤشرات ذلك في تراجع الحديث، حد الصمت، عن الحاجة الماسة لإصلاح التعليم، بل وخلق جو مواتٍ لإجهاض الفكرة تماماً، ما دام الكل يزايد ويدّعي أنه الأكثر حرصا على الدين.


لكن، برغم شراسة 'المعركة' المفتعلة، فإنه لا يجوز الخجل أو التردد في العودة إلى المطالبة بالمضي في مشروع الإصلاح التعليمي، وضمن ذلك كل التشوهات التي تعتري الكتب المدرسية. ذلك أن هذه المطالبة ليست إلا اعترافاً بحق الأجيال الحالية والمقبلة في حياة كريمة. والساكت عن الحق شيطان أخرس؛ فكيف إن جاء التراجع عن المبدأ أو حتى تأجيله، تحت وطأة الخوف ممن اجتزأوا التعديلات بهدف تشويهها في عقول الناس، لأسباب معروفة أو غير معروفة؟!


وطالما خفت الحديث عن تعديل الكتب المدرسية وتطويرها، فإننا ننتظر من وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي أن تعملا معاً لوضع تصور إصلاحي شامل ومتدرج، يشمل كل المراحل التعليمية من دون استثناء. فالتشخيص الواقعي لحال التعليم لدينا، يبعث على الأسى، وقد لخصته جلالة الملكة رانيا العبدالله بكل دقة وصراحة، في خطابها خلال حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، في أيلول (سبتمبر) الماضي، مؤكدة إزاء ذلك على ضرورة البدء وعدم التأخر في عملية إصلاح التعليم.


الكرة الآن في ملعب السلطات المختلفة، لاسيما التشريعية والتنفيذية، للمضي بثبات ودونما خوف من هجوم مضاد، في تطبيق ما جاء من توصيات في الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية؛ لتدارك الخسائر، في مرحلة أولى، ومنع استفحال الخلل حداً يجعله مستعصيا على العلاج، ثم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة النهوض والارتقاء المواكب لدول العالم المتقدم.


وليس من حق أي كان؛ حكومة أو إعلاما أو مجتمعا مدنيا، وحتى ذوي طلبة، التصرف بحقوق الأجيال الحالية والمقبلة. هذا عدا عن أن تراجع الحكومة عن تغيير الكتب بما يطور التعليم، هو دلالة ضعف وتخلٍ عن الدور وعن مبدأ سيادة القانون، لاسيما إن كان هذا التراجع خضوعاً لابتزاز.
يبقى التأكيد على الحقيقة الثابتة، بأنه على مدى وجود الدولة، لم يحدث أن كانت مضامين الكتب تُقرر من قِبل العامة.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة