بداية عصر التنوير قال الشيخ محمد عبده “ إن الشرق العربي بحاجة الى مُستبّد عادل “ كي يحكمه ويقوده نحو التنوير , واليوم هناك من يدعم هذه النظرية رغم مرور عقود على نسختها الاصلية , فهل كان الثابت هو المُتحرك الوحيد في المشرق العربي أم أن دورة قرن كامل كانت مثل طواحين الهواء دون إضافة أو مراكمة تجربة .
في ستينيّات القرن الماضي كانت شوارع القاهرة تُغسل بالشامبو, وكانت المسافة الحضارية بين القاهرة واوروبا ثلاث عقود – وتلك فترة قصيرة في عُمر الدول – واليوم تحتاج عاصمة المعز ثلاث سنوات لتنظيف النفايات وثلاثة عقود لإزالة العشوائيات .
قبل ثلاثة عقود كانت عمان انظف العواصم وأجملها , وكان التوسع يسير فيها بسرعة البرق , وانتقل التطور الى عروس الشمال بعد أن أثمرت غرسة اليرموك وانبتت العلوم والتكنولوجيا وظهرت الضواحي الراقية والمطاعم الفارهة شمال الوطن كما ظهرت احياء عمان الجديدة وعامرية السلط والزرقاء الجديدة , واليوم نتحدث عن استعادة النظافة في عمان واكتظاظ اربد وزعران الزرقاء ودعسة السلط الفجائية. ثمانينيات القرن الماضي كانت رابطة الكتّاب تعج بالندوات ومهرجانات الشعر وكانت ندوة في مجمع النقابات تستقطب المئات من الحضور , وكان جرش المهرجان ينشر الفرح في اعمدة المدينة الصلبة , وكان باص المؤسسة نظيفا وقادرا على الوصول الى مناطق عمان كلها وحتى رائحة الفلافل كانت أشهى وأجمل , واليوم نستجدي حضورا في كل النشاطات وباتت رائحة الدهون تزكم الانوف .
كانت دمشق سيدة العواصم وحتى بيروت ظل فيها رمق من فرح رغم الحرب الأهلية , وظل شارع السعدون ينازع بلاط الرشيد كتّابا ومسرحا وثقافة , وكانت الانهار تسير رقراقة , ونبع العرّاد يصهل بالغناء , قبل ان يصبح بردى قناة اقرب الى مزراب مياه ودجلة ملفوف مثل افعى على ذاته والفرات غير صالح للشرب .
اليوم ثمة نماذج جديدة في الخليج العربي تؤكد أن ما قاله الشيخ محمد عبده صحيح نسبيا , فمدينة دبي باتت مقصدا للتجارة والسياحة ومثالا للنظافة والرقي , رغم انها لم تعرف الانتخابات ولا لافتات المرشحين ولم تتشدق بالديمقراطية ولا تبتعد الدوحة كثيرا عنها ومدينة أبو ظبي قادمة في الطريق .
أما المغرب العربي فقد نجا بنفسه من كل عواتي الزمان العربي , ليس لغيابه عن المشهد بل لأنه حمل نمطا ثقافيا مختلفا عن المشرق وحافظ على انماطه وتعايش معها واثبت الغنوشي انه ليس بعيدا ولا بديعا عن شارعه السياسي والشعبي , فهب نحو ثقافة خضراء تعرف ان الشمس مصدر عمليات التمثيل السياسي والكلورفيلي , والشمس تعني المكاشفة والوضوح .
بعد عقود نستحضر مقولة شيخ التنوير والنهضة، ونقول ان زمان هيبة الدولة هو الزمان المطلوب وان حرية الاوطان وهيبتها مقدمتان على حرية الإنسان , وهيبة الدولة لا تعني الظلم والعدوان والفساد بل تعني العدل بين الناس وثبات الهيبة بين مكونات سياسية وليس بين فسيفساء اجتماعية .
فالأمة العربية عرفت طريق الأحزاب مبكرا, وعرفت الجمعيات السياسية قبل الأحزاب ايضا , فكان التنافس بين الهيبات لإقرار الهيبة, ولم نسمع عن أفراد باتوا أكبر من الأحزاب أو شخصيات بحجم دولة إلا إذا أفرزتهم الأحزاب أو الجمعيات , فالوفد أنتج سعد زغلول والتيار القومي انتج وصفي التل والبعث أنتج صدام حسين والشيوعيون أنتجوا فؤاد نصار وجماعة الإخوان هي التي فرّخت يوسف العظم .
المُستبد العادل لا يعني غياب التجمعات السياسية ولكنه الضامن لتنافس الاحزاب ضمن القانون النزيه والضامن اكثر لعدم خروج الافراد عن قانون الجماعة أو إحساسهم بأنهم اكبر من المؤسسات , وهو لا ينتمي لعشيرة سياسية او لجماعة حزبية او دينية بل ينتمي لوطن كامل .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو