قد نصاب بالذهول عندما نعرف بأن إمبراطورية جنكيز خان التتارية هي أكبر إمبراطورية نشأت في التاريخ حتى الآن، فقد امتدت من شواطئ الصين مجتاحة آسيا وأوروبا حتى رومانيا، مرورا ببلاد فارس وآسيا الصغرى والمشرق العربي.
هذه الإمبراطورية العملاقة التي أورثها جنكيز خان لأحفاده كانت أكبر بثلاث مرات من الإمبراطورية الرومانية في أوسع فتوحاتها، وبالتأكيد اكبر من الإمبراطورية اليونانية والإمبراطورية العربية بمرات.
لكن هذه الإمبراطورية تضاءلت وانكفأت على نفسها إلى أن زالت دون أن تترك أي أثر حضاري، لا بل إنها انهارت أمام الحضارات الأخرى وتعلمت منها، إلى أن تحول التتار إلى مسلمين بفعل تأثرهم بالشعوب التي قهروها وقمعوها. صحيح أنها لم تترك أثراً حضاريا، لكنها تركت الدمار والرؤوس المصفوفة على شكل جبال، والموت الزؤام... لكن الحياة أقوى من الموت.
كل هذه المقدمة الابن خلدونية لأقول إن الحضارة هي المقياس، وهي بوصلة التاريخ وشجرته دائمة الاخضرار. وأن دولة صغيرة من الممكن أن تكون منبرا إشعاعيا إذا كانت الثقافة هي همها الأول...ولا ننسى اثينا القديمة التي سادت العالم بالثقافة.
أقول قولي هذا وأنا أرى حالنا الآن– نحن العرب العاربة والمستعربة- ونحن ننكفئ خارج دفتر التاريخ، رغم موروثنا الحضاري العظيم، لأننا تحولنا من فاعلين إلى حالمين، ومن عاملين إلى متفاخرين بالماضي فقط لا غير، إلى أن تجاوزتنا شعوب الأرض.
الإنسان بلا حضارة هو إنسان مهدور، حتى لو كان على أرضه وبين جمهوره، والإنسان المهدور هو إنسان ضائع. ودون استثناءات فإن لكل دولة عربية نصيبها من الهدر الإنساني، كما أن لكل مواطن عربي نصيبه النسبي من الهدر... لا بل إن الهادر نفسه يتحول إلى مهدور بشكل من الأشكال.
هدر الإنسان يحصل عند التنكر لإنسانيته وعدم الاعتراف بقيمته وحصانته وكيانه وحقوقه.. كل هذا دون أي ذنب يقترفه الإنسان، بعكس الأعراب سابقا، حيث كانوا يهدرون دم من يقوم بعمل شائن أو يهدد كيان الجماعة. ما يحصل حاليا هو الهدر أولا وأخيرا ودون أي حاجة للتبرير.
مع الزمن يكبت الإنسان وعيه بكونه مهدورا ويتصرف على أساس أنه كائن بكامل حريته، ليحصل على توازن نفسي مقبول يجعل الحياة ممكنة، ويفرح بما يحصل عليه من فتات الغنيمة– لأنه انصاع لهدره- وربما يحصل على المناصب والمكاسب، وينسى أن كبت وعيه هو حيله نفسية استخدمها الدماغ ليتعايش مع الواقع.
داخل الدماغ البشري هناك كتلة في وسطه يسمونها (الهيبوتلاموس) ولا يزيد وزن هذه الكتلة على 5 غرامات، وهي تضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال.... الإنسان المهدور يعيش ضمن هذه الكتلة التي لا تساوي اكثر من جزء من الواحد بالمائة من وزن الدماغ، بحيث يتحول إلى كائن أسير لحاجاته الغرائزية– كالحيوان تماما- ويختفي التفكير الإبداعي والإحساس بوعيه البشري.
كيف يمكن أن نخرج من دائرة الإنسان المهدور والأمة المهدورة؟
لا أعرف في الواقع، فهذا سؤال أكبر بكثير مني ويحتاج إلى علماء نفس واجتماع، لكن ما أعرفه هو أن الاعتراف بأننا مهدورون تماما والإحساس بأننا مهدورون.. هو بداية البحث، لأننا نعترف بالمشكلة، وقد نصل بعدها الى مرحلة اكثر تقدما ونبحث لها عن الحلول......!!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو