الأحد 2024-12-15 14:07 م

بَعْد نصف قَرْن .. إلاّ قليلاً

12:41 م

يوشكُ أن يكون مَرَّ على بَدْءِ كتابتي في «الرأي» ستة وأربعون عاماً على وجه التحديد. وهي مدة كافية لكي تصل بي الى مستقر وقرار، او الى ان انتهي بعد ألوان من التجارب والمكابدات الى اعتبار.. واي اعتبار.


وبقدر ما يكون للكلام معناه فان للسكوت معناه ايضا، وشتان معنى من معنى، وشتان كلام من سكوت.

***

تذكرني الحيثيات التي تدفعني الى قرار التوقف عند الكتابة بما اضطررت اليه، مع بدايات القرن الجديد من التوجه الى صحف مصر الشقيقة الكبرى، مثل «وجهات نظر» و»القاهرة» و»العربي» و»الشعب» فكتبت في الاول عن «عبدالرحمن بدوي المعلم الثالث» وعن «محمد اركون وتخرصاته عن القرآن الكريم» وعن الشاعر الالماني ديترجلاده وديوانه الشعري «فسيفساء من الاردن». وكتبت في الثانية عن سمير احمد أمين مقالة ناقدة قدم لها رئيس تحريرها الفاضل الاستاذ صلاح عيسى، وكتبت في الثالثة مقالة أُنسيت عنوانها الآن، وكتبت في الرابعة مقالة حول كتاب محمد عباس: «من مواطن مصري الى الرئيس حسني مبارك»، وغير ذلك. وكان الفضلُ في هذا التوجه الى صحافة مصر هو الصديق الدكتور عصام الطاهر الذي ارجو الله له شفاءً عاجلاً.

كما تذكرني حيثيات قرار التوقف عن الكتابة هنا بما كانت عليه احوال الصحافة الثقافية في الاردن مطلع السبعينيات حين كنا ننشر ما نكتبه في «الآداب» و»الأديب» و»الشهاب» – وكلها في لبنان الشقيق – و»الثقافة» الدمشقية و»الأدباء العرب» القاهرية التي كان صلاح عبدالصبور رئيس تحريرها، و»الهلال» ولا نملك ان ننشر شيئا في صحفنا الاردنية الا بشق الانفس لغلبة الشللية والنزعات المختلفة على محرريها..

***

ولقد يطول بنا الاستذكار وتتسع بنا دوائره بحيث نستحضر ما كنا نستشعره من ألم لتوالي اصداراتنا دون صدى يذكر لاسباب غير موضوعية بحال، سواءً اكانت ايديولوجية – بسبب خروجنا من الصفوف وعُرفائها – ام غير ذلك مما نضرب صفحا عن ذكره.

ولقد صبرنا انفسنا مع أقراننا من النباتات الصحراوية وظللنا مستمسكين بهواجسنا المعرفية وقيمنا الوطنية وملامحنا الثقافية، وكان ذلك منا دون ظهير ولا نصير، وكان له اثره البالغ في ارواحنا. لكنه لم ينته بها الى الهزيمة او الاستسلام. فهي ان استشعرت وهناً في موقع تحرّفت لمواصلة مسيرتها من غيره، وارض الله واسعة، ومن يهاجر يجدُ في الارض مراغما وسعة وفيها منتأى للكريم عن الاذى والاهتضام.

***

على اننا وعلى الرغم من كوننا نستقبل مرحلة ونودع مرحلة من تجربتنا المُرّة، لا نملك نسيان تلك الاوجه الرضيّة التي عرفناها واحببناها، ولا تلك الانفس الطيبة التي ألِفناها، ولا تلك العقول التي حاورناها، فكل ذلك مما نستصحبه في مستأنف مسيرتنا، وما يكون بعض ما ندخره لأيامنا القادمات.

***

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى

وفيها لمن خاف القِلى مُتَعزّلُ..


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة