الأحد 2024-12-15 21:58 م

تهافت الإعلام المنحاز

07:19 ص

ليس هناك مراقب ساذج يتوهم ان الإعلام بجميع أشكاله المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية يمكن أن يكون محايداً ، وأن يقدم الحقائق كما هي لوجه الله ، ويفسح المجال للرأي والرأي الآخر بعدالة.

ولو كان الإعلام كذلك لما صرفت بعض الدول مئات الملايين من الدولارات على أجهزة إعلامية هائلة ، فلا بد أن هناك رسـالة يراد إيصالها ، وأجندة يراد فرضها ، وقدرة على التأثير على مجريات الأحداث ، والانتصار لمن تحب وشيطنة من تكره. وفي الحد الأدنى إثبات الموجودية ومنافسة ومناكفة الآخرين.
كنا دائماً نضرب المثل بإعلام أحمد سعيد في صوت العرب الذي كان يهدر بالانتصارات الوهمية في ظل الهزائم الكاسحة. كما ُيذكر في هذا المجال محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي الذي كان يتحدث عن سحق الجنود الأميركان عندما كانت دباباتهم تحتل شوارع بغداد.
هذان مثلان صارخان يصعب أن يتكررا ، ولكن ما نشاهده اليوم على بعض الفضائيات العربية قد لا يختلف كثيراً ، فقد وصل الحال إلى وضع مكشوف لا يحتاج لمحللين متخصصين لفهمه ، فمن يستمع إلى المحلل العسكري لفضائية معينة يظن أن المنظمات المسلحة العاملة في سوريا ُتطبق على دمشق ، وأن الجيش السوري مهزوم ، وأن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ولا يفعل سوى قتل المدنيين الأبرياء ، وأن المعركة محسومة لصالح الإرهاب الدولي الذي يسمى معارضة مسلحة.
تعمل بعض الفضائيات كأداة إعلامية لصالح الإخوان المسلمين وأنصارهم في تونس ومصر واليمن وسوريا وكل مكان. وعندما تقدم متحدثاً من أصحاب الاتجاه الآخر يقاطعه المذيع بغضب ويجادله بحرارة ويدخل معه في معركة هو طرف فيها وليس مديراً لجلسة حوار ونقاش.
الفضائيات المنحازة أصبحت مجرد أدوات وأبواق للسياسة الخارجية وهي غير موجهة للداخل بأي مقدار ، فرسالتها تصدير المواقف وتأييد هذا ومعارضة ذاك ، وبالتالي فقدان المصداقية وهي رأس مال الإعلام.
يلاحظ القارئ أني لم اسم ِ أداة إعلامية معينة مقصـودة بهذه الملاحظات ، ومع ذلك فإن كل من يقرأ هذا العمود سوف يحدد الفضائية (أو الفضائيات) المقصودة ، مما يدل على أن ما ذكرته معروف للعموم وثابت وصحيح.
لعل من المفيد أن يعرف القائمون على أجهزة الإعلام المنحازة بشكل فاضح أن الذين يشاهدونها هم الفرقاء الذين تؤيدهم ، فقد أصبح كل منا يريد أن يشاهد ويسمع ما يؤيد وجهة نظره ، لأنه يسكر بالانتصارات المزعومة ثم يصحو متأخراً على هزائم كاسحة بثياب انتصارات كاذبة.
عبد الناصر كان يستمع لنشرة أخبار إذاعة بي بي سي صباح كل يوم ، ليس ليعرف نوايا الإنجليز كما قيل في حينها ، بل ليعرف الحقيقة التي لا تتعامل بها أجهزة الإعلام العربية.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة