الخميس 2024-12-12 13:19 م

“توراجا” .. حيث يعيش الأحياء والأموات في سلام!

02:50 م

منذ ما يزيد على سبعة أعوام بقليل، وفي رقعة نائية من إندونيسيا بقرية تدعى “توراجا”، أزاحت تلك السيدة ستائر المدخل الذهبية لمنزلها، وهمست لزوجها ” ها قد حضر ضيوفنا “، ثم دخل الابن الأصغر بهدوء حاملا صينية طعام لوالده قائلا:”ها هو الأرز يا أبي مع سمكتك”، وعادت زوجته لتقول: “استيقظ لتتناول طعام الغداء يا عزيزي”، في نفس الوقت الذي قال فيه الابن الأكبر “إنها تلتقط لك صورة يا أبي”.. مشهد عائلي مؤثر لا يعكر صفوه سوى شيء واحد، وهو أن زوج هذه السيدة قد مات بالفعل منذ أسبوعين!

لعدة أيام في هذا المنزل على حافة مدينة رانتيباو، في المرتفعات النائية في جزيرة سولاويزي الإندونيسية رقد هذا الرجل ساكنا بلا حراك على سرير خشبي، تجلب له زوجته وأطفاله الطعام والشاي أربع مرات في اليوم ويتحدثون إليه، يقولون نحن نفعل هذا لأننا نحبه فقد اعتدنا على تناول الطعام معه وهو لا يزال في المنزل، لذا يجب أن نطعمه ونتحدث معه.

لقد اعتاد أهل هذه القرية معالجة جثث ذويهم بالفورمالين (مياه مالحة + فورمالدهيد) بعد موتهم بفترة قصيرة لكي لا تتعفن الجثة لكنها بمرور الوقت تصير أقرب إلى المومياء.

بعدها تستمر مراسم الجنازة لمدة أربعة أيام برفع الجسد من السرير إلى التابوت، وتصوير الموقف لحظة بلحظة ثم يعاد مرة أخرى إلى المنزل، ليمكث فيه أربعة أشهر أخرى حتى يحين موعد جنازته في آخر العام، ويظل أهله حريصين على عدم تركه بمفرده في المنزل لاعتقادهم أن روحه لا تزال موجودة فيه.


يعتقد أهل توراجا أن الموت ليس نهاية المطاف؛ بل أنه أول خطوة في عملية طويلة، لذا غالبا ما يتم تأخير الجنائز لأيام أو أسابيع أو شهور أوحتى سنوات لجمع أحباب الميت الذين يسكنون في أماكن نائية، وحين يحين الوقت تأتى أعظم مراسم الجنازة والتي يرافقها ما يقرب من مائة دراجة نارية، توقف حركة المرور من مدينة لأخرى، حتى سيارات الإسعاف والشرطة يتعذر عليهم العبور في مشهد مهيب حيث يتفوق الموت على الحياة!

ولا يتوقف المشهد عند وضع الميت في القبر، فبعض سكان توراجا الشماليون يجلبون أقاربهم من مقابرهم لإعطائهم ملابس جديدة وأكفانا للدفن.

ومن غير المعروف تحديدا متى بدأت تلك الطقوس في توراجا، لأن لغتهم لم تكتب إلا في أوائل القرن العشرين، لذا فإن معظم التقاليد تنتقل شفهيا، ولكن في الآونة الأخيرة استنتج علماء الآثار أن بعضا من تلك الطقوس تعود إلى القرن التاسع على الأقل، وذلك من خلال التاريخ الكربوني لشظايا تابوت خشبي.

على الجانب الآخر تجذب تلك الطقوس بعضا من السائحين حيث يجدون فيها أن الروابط الإنسانية، والتواصل دون هوادة مع الموت، والمرح الخالص يساعد في تغيير تفكيرهم حول عادات ثقافتهم.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة