الأحد 2024-12-15 13:47 م

«حبيب» ولكل امريء من اسمه نصيب !

08:18 ص

لماذا أخذت اجازة طويلة في العيد؟ هل كنت تنتظر هذا اليوم من العيد لتغادر..عادوا ولم تعد..لماذا سألت مقدم البرنامج قبل رحيلك بأسبوع أن يسألك عن الموت؟ هل كنت تسأل عن المكان أم الزمان أم ثمن الرحلة وكلفتها؟ استغرب منك السؤال وقال لك «هل يمكن أن تختار غيره»..قلت: «أرى الموت بعيني» ومضيت قائلاً له: «ان عرار قد غادر في نفس الوقت عن (49) سنة وانك لن تتجاوزه بيوم واحد فقد كنت تريد الرحيل في يوم رحيله..هل هي الاشارات التي تحدث عنها صاحب رواية الخيميائي «باولو كويلو» للفتى راعي الغنم ليحقق شخصيته؟..

«يا حبيب ولكل امرئ من اسمه نصيب»..لماذا تفرط في وعودك لأصدقائك فقد اكتشفت أنك قد أعطيت وعوداً لهم تحتاج لعشر سنوات حتى تنفذها..هل اتساع نفسك التي لا تعرف المدى أم ضيق الزمان الذي لا يرحم أم رغبتك في ديون لا تسدد!!
آخر لقاء بيننا يوم الاربعاء الماضي في الإذاعة قبل موتك بثلاثة أيام وقد حضرت لتقديم برنامجي (شؤون سياسية) كنا عند مدير الاذاعة «محمد الطراونة» وقد جاء ضيوفي..كنت وعدت أن تأخذني للحديث عن القدس وكتابي عنها في برنامجك «قفا.. نحك»..ولم تقبل المشاركة في برنامج يتحدث عن السياسة حين عرضت عليك..
لا أعرف لماذا أغرقتك حينها بالأسئلة التي أشفق من كثرتها عليك الدكتور خالد عبيدات وأنا اقول لك «هل أنت كتبت هذه الأغنية وتلك ...وتلك ... لدرجة تخيلت ان كل اغنية جميلة هي من ابداعك وكل اغنية قبيحة هي عدو لك» .. قلت لك: كيف نتخلص من الأغاني الرديئة ؟ فابتسمت وقلت لا علاقة لي أن لها ممولين ومدافعين .. انهم يزرعون الهالوك ليأكل النبات المثمر.. قلت لماذا لا تكثر من النماذج التي تكتب بها فعاودت الابتسامة وقلت «ما في بالجيش غير عقلة»!! ردا على الاسئلة مثل لو «جاءك العدو من» .. وجاءك من.. حتى ثار عقله وقال قولته «ما في غير عقلة»!!
قلت إن الأغنية الجميلة سواء كانت وطنية أو عاطفية لها نفس الجذر وهو «الحب» وان الاغاني المملوءة بالانتقام والحقد والضيق والتدمير ليست من الفن في شيء وان الذين زرعوا العوسج في الحقل الوطني من الاغاني الهابطة يحتاجون من يقتلع ما زرعوا رغم ان لجان تشكلت من اجل ذلك ولكنها لم تفعل بل سكتت على الهابط وأحياناً منعت الجيد!! .
قلت لي الملك رمز والتغني به وله يحتاج الى فن راق والذين يتزاحمون على ذكره بعيدا عن الفن الراقي انما يسيئون للرمز والدلالة والفن .. قالها وصمت، ثم قال اكتب عن رمزيته وعن صفاته وأثره وحبنا له دون ان اذكر اسمه هل تذكر اغنية عبد الحليم حافظ في عبد الناصر(كلنا عاوزين صورة) لم يذكر اسم عبد الناصر فيها وغيرها كثير..هل قرأت قصيدة درويش حتى عن العدو «جندي يحلم بالزنابق البيضاء» لم يقل بقلع العين ولا بنصب الرشاش..حتى لا تصبح الأغنية كقراءة الأطفال للنص حين يذكرون العين ويضعون أصابعهم عليها !!
قلت ماذا أيضاً غير «يا بيرقنا العالي» و «يا الأردنية ربعك نشامى» فعدّ أمامي حوالي العشرين أغنية..وناولني ديوانا من الشعر طبعته الرأي أخيراً..وقرأ قصيدة عن العالوك التي وضعها على خارطة الشعر..كما وضع عرار «وادي السير» ودرويش «الربوة في الجليل» وأنا لا اتجاوز الشاعر الكبير حيدر محمود لأنه من جيل سابق فقد كانت خسارتنا في حبيب الزيودي لا تعوّض فقد أخذ على عاتقه أن يسد فراغاً كبيراً في شعر الأغنية الوطنية والعاطفية وكان الرهان عليه أن يعطي العمر فقد قال ان أجمل قصائده لم يكتبها بعد..كان يطوّف في الإذاعة بأوراقه حاصرته حاجات الحياة فكتب للرأي عموداً يومياً وقدم للإذاعة برنامجاً وتوزع هنا وهناك ولو كان هناك من ينصف الفن لجرى تفريغه لكتابة الأغاني بأشعاره الجميلة..
موعدنا معه في العالوك لن يأتي فقد اخذ إجازة طويلة قبل الموعد الذي ضربه وهو الخميس 1 /11 /2012 فهل نزوره أم نزور قبره؟ لك تحيات كل الرفاق الذين لم تستأذنهم في رحلتك الطويلة بعد العيد واذا كانت فلسطين قد خسرت شاعرها محمود درويش فقد خسرالأردن شاعره حبيب الزيودي الذي كان وطنياً وانساناً لم يعرف الجهوية أو الحقد أو ضيق العين بل الافراط في الوعود الجميلة..كان لديه مشروع كبير اطـّلع عليه أصدقاؤه وكان يبحث عن شراكة لاخراجه ..وما زالت دفاتره التي لم تنشر مليئة وفي أدراج مكتبه الكثير من القصاصات ومشاريع الاغاني والقصائد..
رحل حبيب مع ذاكرته ومع أجنة الأغاني والقصائد التي لم تلد بعد فقد أغاظه واقعنا رغم أنه وعد أن يجعله جميلاً وبدأ ورشة اصلاح الواقع بالأغاني حين اعتقد ما قاله إرنست فنشر «إن الفن يعيد صياغة الحياة ويجعلها أقل قسوة وأكثر جمالاً» ..هل يئس حبيب وارتحل دون أن يكمل ما وعد به ؟ أم أن الحزن على فقدانه سيدفع ابداعاً في نفوس شعراء أردنيين لأن يأخذوا مكانه!!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة