فعلا؛ الظرف استثنائي، والحال غير مسبوقة. أزمة اقتصادية تتزامن مع أزمات إقليمية متقلبة ومتسارعة. الأردن يعلن أن شعار المرحلة وعنوان السنوات المقبلة الاعتماد على الذات، وهذا مطلوب ومفيد.
لكن، كيف السبيل إلى ذلك، وما هي وصفة تحقيق مبدأ الاعتماد على الذات الذي تتحدث به الحكومات، خصوصا أن للاعتماد على الذات كلفا كبيرة، وهي مسألة تحتاج إلى أكثر من شعار نرفعه، بل إلى وصفة حكومية ووطنية كاملة لتحقيقها.
الفهم الأولي للمبدأ يذهب مباشرة إلى الجانب الاقتصادي، ففي ظل تراجع المنح الخارجية، تحديدا الخليجية، يفهم أن الاعتماد على الذات يعني، حكما، المضي بالإصلاح المالي وما يندرج تحت ذلك من كل القرارات الصعبة.
وطالما أن الأزمة عميقة، كما تقول الحكومة ويجمع على ذلك القاصي والداني، وبما أن تأجيل الإصلاح الاقتصادي أو تقسيطه، كما يرى المسؤولون، مسألة غير ممكنة، تبدو مطالبة المسؤولين بتأجيل بعض القرارات الصعبة مسألة غير واردة، كما يبدو تطبيق مبدأ الاعتماد على الذات مجزوءا ويقتصر فقط على الجانب المالي والاقتصادي، وكأن العلاقة بين الحكومة والمتلقي ترتبط، فقط، بفكرة الجباية والتزام الأخير بالواجبات المفروضة عليه، فيما حقوقه مسألة تخضع للنقاش والبحث والتفسير.. والتأجيل كذلك.
الحزمة الموضوعة على مكتب رئيس الوزراء د. هاني الملقي تتضمن، بشكل رئيس وتحت نفس المبرر غير المقنع، رفع الدعم عن الخبز، إعادة هيكلة ضريبة المبيعات على سلع وخدمات، وأخيرا التفكير بتوسيع الشرائح الخاضعة لضريبة الدخل.
كيف يستوي أن يُعفَى من يقل دخله عن 2000 دينار شهريا من ضريبة الدخل! فذلك لا يحدث في الدول التي تقدم المنح للأردن، مع غضّ الطرف عن كل العبء الضريبي الواقع على الأردني من مختلف الضرائب والرسوم!
المهم، أن الحكومة، وفي ظل الحالة العامة؛ الإقليمية والمحلية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ترفع الشعار لأنها مضطرة لهذه الحزمة، لكنها تغفل أيضا عن أن هذه الحزمة لا تمرّ هكذا بالقطعة ومن خلال وضع المجتمع تحت ضغط نفسي وحالة مزاجية تضطره للقبول بما تفكر به الحكومة.
القصة بصراحة أصعب مما تظن الحكومة، فتمرير الحزمة الاقتصادية صعب جدا في ظل فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع وشعور اللاجدوى حيال ما تفعله الحكومة، فالاعتماد على الذات، أيضا، يحتاج إلى رؤية متكاملة؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، للتأسيس لمبدأ الاعتماد على الذات، والنجاح في جعله واقعا.
الحزمة الكاملة تعني، بالضرورة، أن على الحكومة التأمل بالصورة كاملة، وليس فقط بتمرير القرارات القاسية بسلامة بما يشبه الخدعة الكبيرة للمجتمع، بل المطلوب أن تضع رؤية كاملة لتطوير الحياة السياسية والحزبية، بحيث تزيد مشاركة الأردني في صناعة القرار بشكل يعيد بناء العلاقة السليمة بينه وبين الدولة ومؤسساتها، ليكون شريكا في التفكير وليس فقط التنفيذ.
صحيح أن عنوان الأزمة في الأردن مالي واقتصادي، لكن حلها لا يجوز أن يكون بأفكار وقرارات بالقطعة، بل يحتاج إلى رؤية شاملة تتضمن حلولا للمشاكل الرئيسة من فقر وبطالة وإعادة هيكلة سوق العمل، وخطط لإعادة ترميم بيت الطبقة الوسطى، وكذلك ضمن رؤية شاملة تتضمن إعادة هيبة المؤسسات والالتزام التام بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه عدم المغالاة باستخدام السلطة من قبل البعض حد التجبر أحيانا.
الطريق المتين والآمن لتنفيذ مبدأ الاعتماد على الذات، يكمن بإعادة بناء مصداقية الحكومات من جديد، فطالما ظل القرار نابعا من طرف، يفترض من الآخر الانصياع له دون مقابل، فسيبقى التشوّه كبيرا في العلاقة، ويبقى التشكك قائما فيها.
مرة أخرى؛ الحلول لا تكون بالقطعة، وصحيح، أيضا، أن الأزمة رغم أنها مالية، إلا أن حلها سياسي يقوم على ترتيب البيت الداخلي، حتى يؤمن الفرد أنه بعد الصعوبات والأثمان الباهظة التي سيدفعها ستكون هناك نتائج إيجابية، وأنه سيكون شريكا في نهاية الأمر، ويدرك أن الأمور بدأت تسير في الاتجاه الصحيح، أخيرا.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو