الأحد 2024-11-24 17:19 م

حمراء القرد العربي

08:26 ص




لا ضير على العرب الذين يستوردون كل شيء من الصين لو استخدموا تقويمه الطريف؛ عله يرحل عنهم عام الخاروف بأحداثه المستكينة الحمراء، ومفاجآته السوداء، وأن لا تنتابهم في جديد عامهم (قردنة) القرود وشؤمها، وبهلوانيتها، ورغم أن القرد لا يبتعد عن بني الإنسان في جيناته الوراثية إلا باقل من الواحد بالمائة، لكنه يبقى قرداً بمؤخرة عارية.



في التقويم الصيني المكون من 12 برجاً، يمثل كل برج سنة قمرية. ويبدأ اليوم عام القرد. ولهذا ينتابني شعور تشاؤمي أننا سنسمي هذا العام ذات تاريخ قريب (بعام القرد العربي). مع أن صدور الأحرار ما تزل جمرات حرية وهيب عنفوان. ولكن أهواء المحن لا تأتي كما تشتهي مراكب النضال.


حسب الأسطورة الصينية فأن عدداً من الحيوانات المخلصة أسرعت بكل لهفتها إلى سرير (بوذا)، وهو شخصية مقدسة لديهم، فور معرفتها بموته. ولتكريم هذه الحيوانات حافظ الصينيون على تقليد تسمية السنوات بأسمائها حسب ترتيب وصولهم إلى سرير بوذا.


البقرة كانت أول الواصلين، إلا أن الفأر كان ممتطياً ظهرها، فانزلق عن رأسها، وكان الأول، ثم النمر، فالأرنب، فالتنين، فالثعبان، فالحصان، فالخروف، فالقرد، فالدجاجة، فالكلب فالخنزير، وبعد الخنزير تبدأ السنوات بالفأر مره أخرى.


قبل خمس سنوات اقترحت أن نسمي العام 2011 عام الأسد العربي، ليس فقط نكاية بالأرنب الصيني الخافت والمخاتل والخانع بأذنيه الطويلتين المذلولتين وبكل المتخاذلين في إنقاذ الدم العربي المهدور، في شوارع الحرية، إبتداء بسيدي بوزيد في تونس، وليس إنتهاء بساحات حمص ودرعا وحلب، وكل ميادين التحرر من بطش الطغاة وإستبدادهم.


بعض الذين استكانوا سنوات طويلة في سنة الضبع العربية البطشية، دون أن يخنقهم غبار الملل، بل خنقتهم حالة (التأرنب) الطبيعية، والخاروفية المستكينة. هؤلاء كانوا قرروا أن يستأسدو؛ فثاروا على خوفهم عام 2011، ومنهم من نال حريته، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا.


للاسف ولى عام الأسد العربي، دون أن يتحقق زئير الحرية الكامل، ومن غير أن يسقط الطغاة. ثم هلّ عام الخاروف وتلته أعوام عجاف، فتناثر الدم العربي الرخيص في كل الأرجاء، وتطشر اللاجئون في شتات الارض، متمنين لو أنهم خراف يحميهم صوفهم من برد المنافي والفيافي.


كان بدوي لو أبقى متفائلاً على عادتي، لكني لا أرى اليوم إلا عاماً قرداً يلوح على يابس شجرنا كبهلوان مجنون، يتنطنط هنا وهناك، وكلما علا بانت مؤخرته الحمراء كعلامة سؤال تخنقني: هل ستذهب هداراً كل الدماء التي أريقت طوال السنوات الخمس. هل ستبقى مكشوفة ايامنا مثل حمراء هذا القرد.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة