الإثنين 2024-12-16 01:29 ص

خففوا من هذا الورع!

05:54 م

قرأت أخيرا مقالا بعنوان بين الاستثمار والاستحمار لكاتب يمني اسمه محمد حجر اليافعي – يقارن فيه بين من يعتمد في حياته على ما هو موجود في باطن الأرض، وبين من يستثمر باطن عقله، ومما جاء فيه، وبلفت النظر على نحو خاص: لا تحدثني عن ثروة أي بلد وأهله مشحونون بالحقد والعنصرية والمناطقية والجهل والحروب، نيجيريا من أكثر الدول غنى بالثروات والمعادن ومن أكبر دول العالم المصدرة للبترول، ولكن انظر الى حالها ووضعها والسبب أن الانسان فيها مشبع بالأحقاد العرقية ومحمل بالصراعات الطائفية، فيما سنغافورة البلد الذي بكى رئيسه ذات يوم لأنه رئيس بلد ليس فيه موارد .. يتقدم اليوم على اليابان في مستوى دخل الفرد، في عصرنا الحالي الشعوب المتخلفة فقط هي التي مازالت تنظر لباطن الأرض ما الذي ستخرجه كي تعيش .. في الوقت الذي أصبح الانسان هو الاستثمار الناجح والأكثر ربحاً، هل فكرت وأنت تشتري تلفون جالكسي أو آيفون كم يحتاج هذا التلفون من الثروات الطبيعية، ستجده لا يكلف دولارات قليلة من الثروات الطبيعية ..((جرامات بسيطة من المعادن وقطعة زجاج صغيرة وقليل بلاستيك)) ولكنك تشتريه بمئات الدولارات تتجاوز قيمته عشرات براميل النفط والغاز ... !


هذا أهم ما لفت نظري في المقال الجميل، وهو يفتح عيوننا على واقع بالغ الايلام، ويجعلنا نعيد النظر في كل ما سلمنا به، ودرسناه في علم الثروة والاقتصاد، فالثروة الحقيقية هي العقل البشري، وكلما زاد اعتماده على ثروات الأرض، زادت تنبلته وبلاهته، بل ان حقائق التاريخ والجغرافيا، كلها تقول أن أفقر بلاد الدنيا في العصر الغابر، وهي الجزيرة العربية، أنتجت أفضل العقول في التاريخ البشري كله، حين هزمت في غضون ثلاثة عقود فقط، أعتى امبراطوريتين في التاريخ، وبنت حضارة لم يزل العالم يقتات على كثير من خيراتها العلمية، ولم تزل بلادنا بسببها تخضع لعملية تآمر متوحشة، تستهدف ابقاءها في حالة من التمزق والتخلف والتحلل، كي لا تسترد أنفاسها وتقف على قدميها من جديد!

على النخب وصناع الرأي العام في بلاد العرب، أن لا ينسوا واجبهم في تعظيم شأن الهوية الجامعة، القادرة على اذابة الحدود ومشاعر التفرقة، لاطلاق العقل العربي من عقاله، ويتحرر أولا من عقدة ولعنة النفط التي كانت وبالا علينا، وتحولت الى نقمة بدلا من أن تكون نعمة!

وان أنسى، فلا أنسى ما قالته لي احدى صديقات الفيسبوك، أنها قبل الحرب في اليمن، لم تكن تدري أنها يزيدية وثمة في الجعبة عشرات الأمثلة، في طول الوطن العربي وعرضه، تثبت أن تلك الطائفية اللعينة، لم تكن على الطاولة قبل أن يوقظها من أيقظها، من شيوخ وساسة ومتآمرين ورجال استخبارات من صناع الفتن، وتوظيفها في حروبهم اللعينة.

ما يزعجني في المشهد الكارثي، تلك الحرارة التي يتميز بها الخطاب الديني الصادر عن مشايخ ودعاة، يوقدون فيه نيران الفتنة بمنتهى الاخلاص، بوصفه تقربا الى الله، ودليلا على علو التقوى ، هؤلاء من حيث يدرون أو لا يدرون، هم أدوات طيعة في أيدي أعداء الأمة، يوظفون خطابهم المحموم لزيادة نيران الفتنة، وسفك المزيد من الدماء، وهم يجلسون في ظلال مكيفات الهواء البارد، على هؤلاء أن يعلموا أنهم بتحريضهم الورع هذا يسهمون بشكل فاعل في تدمير الذات والانتحار الجماعي للأمة، عليهم أن يكفوا عن ورعهم هذا، لأن النيران التي يوقدونها ستحرق أخضرهم قبل يابسهم، وهم تحديدا، عنصر خطير وهام جدا، في ديمومة اشعال هذه النار، لأن فتاواهم ومواعظهم التي ملأت فضاء الانترنت، يسهل تداولها ومشاركتها، بكبسة زر، نحن أمة واحدة، والعربية اللسان، ولا فضل لـ مواطن على آخر الا بما يقدمه لوطنه، فلتخرس تلك الألسنة التي تنفخ في نيران الفتنة، ولا يوجد قضية توحد الأمة، وتطوي الخلاف، وتطفىء نار الفرقة، مثل قضية القدس، وما تتعرض له من تهويد وتغيير في معالمها، وتشويه لتاريخها، وتدنيس لمقدساتها، على أيدي أعداء الأمة من الصهاينة، فلا يوجد عربي أو مسلم، مهما كان مذهبه أو عرقه، (أو حتى دينه ان لم يكن مسلما)، الا ويتفاعل مع قضية القدس باعتبارها قضية أمة كاملة، وعنصرا أساسا من عناصر الهوية الجامعة، من هنا، على من يريد لم شعث هذه الأمة وهي تعيش قمة تفتتها وتمزقها، أن يوظف قضية القدس تحديدا، في ترميم الوجدان الجمعي العربي والمسلم، كي يعود مرة أخرى للشعور بكونه جزءا من أمة واحدة، مهددة من عدو مشترك، خارج الأطر المذهبية والطائفية والعرقية!

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة