الأحد 2024-12-15 23:18 م

شكرا ابن العم

08:48 ص



مشكلة البلد لم تكن يوما عدم وجود النفط أو الغاز، بل كانت وماتزال هي بمن يمنّون عليها.


حين تسمع عن تعيين أحدهم في مناصب الدولة ولاترى في سيرته الذاتية أي كفاءة او خبرة، يقولون لك عرفانا وتقديرا لتضحياتهم الجليلة في خدمة الوطن. طيب إذا كان جده رحمه الله أيام الثورة العربية الكبرى في سن الطفولة ويسرح مع (العنزات)، وفي حروبنا مع اسرائيل وحين بدأت ساعة الصفر أصيب أبوه (بأنفلونزا) حادة ولم يطلق طلقة واحدة في اشتباكاتنا مع العدو بل كان يشرب الميرمية للتخفيف من آثار الأنفلونزا، وحين عصفت بنا رياح الفتنة البغيضة كانوا خارج البلاد في رحلة استجمام؛ فكيف شاركونا القبض على الجمر واللحمة الوطنية وهم يأكلون الترمس على شواطئ البحر؟!

لا أدري أين تضحياتهم الجليلة التي ندفع ثمنها حتى اليوم بمناصب ومكاسب لاتنتهي، ولانرى لهم اسماء لا في مواكب الشهداء ولا الأسرى ولا المصابين.

تلك هي المراحل الدقيقة والحساسة من تاريخ الوطن التي كانت مسرحا للبطولة والتضحيات لمن يريد، ومن السهل علينا أن نعود ونبحث عن أبناء الشهداء والمصابين، سنجدهم إما رقباء في الدفاع المدني أو في سلطة المياه أو أصحاب بقالات، فأي تضحية أعظم من تضحية الشهادة. هاهم أبناء الشهداء لا (منّة) لهم على أحد ولم يقايضوا دم الشهيد بمناصب ومكاسب، بينما غيرهم لم (يُفشَخ) في عائلتهم أحد طوال نضالنا وصبرنا الوطني ويقولون نحن من ضحينا من أجل الوطن ويريدون كل شيء!

في الأسبوع الماضي أطلق أحد أبناء العمومة، محمد عربيات، مبادرة لتنظيف السيارات أمام المنزل بمبلغ زهيد بعد عدم قدرته الحصول على وظيفة. الشاب بالمناسبة جامعي، ومن كرام الناس وأطيبهم وأكثرهم خلقا، ومحمد لا تنقصه التضحية، جده كان من الثوار، ومن ثم كان عسكريا شارك في معظم الحروب ببسالة، والأهم بعد تقاعده عمل في العقبة مديرا للميناء والأراضي والبريد حين كانت جميعها تحت سلطته. ولا يوجد باسم العائلة متر واحد في العقبة مع أنه في ذلك الوقت كان من السهل عليه أن يسجل شطا باسمه، وأبوه هو الآخر خدم الدولة بكل معاني الإخلاص والتفاني والانتماء.

لم يأتكم محمد ليقول لكم جدي قدم وضحى، وأريد منكم وظيفة، أو مكتب تاكسي، أو ترخيص باص، محمد شمّر عن ذراعه وأصبح يغسل السيارات أمام المنازل. هذا بالطبع لايعيبه بل له ولنا الفخر بأن كسر ثقافة العيب التي يتحجج بها الواهمون والعاجزون.

محمد لم يأتكم طلبا لوظيفة من الـ 200 ألف وظيفة التي وفرتها الحكومة للاجئين السوريين، بل أصبح نموذجا نريد أن نقتدي به لحل مشكلة البطالة بعد أن نجعل الشباب تسير خلفه وتدخل وظائف كانت عيبا على الاردنيين.

كل ما هو مطلوب منكم، أن نتوقف فورا عن تخصيص الوظائف والمكاسب لفئة بعينها بحجة التضحيات الجليلة، وذلك حتى لا نكسر مجاديف الشباب وطموحاتهم، فحين تكون هناك عدالة في التعيينات لن يكون هناك عيب على أي أردني أن يعمل مثلما يعمل محمد بعد أن يتيقن أن الوظائف لم تعد متوفرة ولم تعد لفئة بعينها.

ابن العم .. دعنا نقبل رأسك .. فأنت بيديك الطاهرتين من يخدم الوطن واقتصاده ونموّه لا أصحاب التضحيات الجليلة التي لا نعرف ماهي حتى الآن.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة