الخميس 2025-03-06 00:33 ص

عن قمة «هلسِنكي» .. وما يَجري في «الجبهة الجنوبِية»

01:01 م

سيل الشائعات المُبرمَجة الذي يتدفق هذه الايام وخصوصاً بعد الاعلان عن أول قمة «رسمية» تُعقد بين الرئيسين.. الاميركي ترمب والروسي بوتين, والتي تقرّر ان تكون يوم السادس عشر من تموز الجاري في العاصمة الفنلندية هلسنكي (هذا إذا لم يحدث ما يحول دون انعقاد قمة كهذه, لم يحلُم اكثر المتفائلين الإتفاق حولها بهذه السرعة), لم يكن (سيل الشائعات) ليكون على هذه الشاكِلة من الشراسة المبرمجة, التي تروم الإيحاء بان واشنطن ما تزال تتوفّر على اوراق مهمة في المنطقة, وبخاصة على صعيد الازمة السورية، لولا شعور هؤلاء المتعلِّقين بالاوهام, بأن الإنكفاء الاميركي بات محسوماً ولم يعد السؤال هل؟ بل متى يعترف الاميركيون بأن مشروعهم في المنطقة قد اصابه التلف؟ وان الفشل الذي حصدوه عجّلت به سنوات الازمة السورية، التي أريد لها ان تكون بوابة الشرق الاوسط الجديد, بعد فشل نسخته «الأوبامِيّة» قبل اثني عشر عاماً, عندما منحت ادارة باراك اوباما الضوء الاخضر لمرعيتها الصهيونية الاستيطانية الكولونيالية بشن حرب تموز 2006 على لبنان, لاجتثاث المقاومة اللبنانية وشطب حزب الله من المعادلة الإقليمية.


الآن يذهب المروجون الى إعادة التصويب على روسيا ورئيسها, الذي خرج للتو فائزا من انتخابات رئاسية مثيرة للإنطباع, إن لجهة حجم التفويض الشعبي الذي حصل عليه (6ر76%) ام لجهة النجاح الذي سجّلته الدبلوماسية الروسية في علاقاتها الاقليمية والدولية, وبخاصة في الإمكانِية الماثِلة لتحقيق تحالف استراتيجي اكثر فاعلية وحضوراً على المسرح الدولي بين موسكو وبيجين, واحتمالات انضمام دول «آسيوية» اليه, تقف في مقدمتها ايران وربما باكستان لاحقاً. ما يؤسِّس لفضاء سياسي آسيوي بأبعاد عسكرية واقتصادية, اكثر قدرة على امتصاص ومقاومة العدوانية الاميركية والعقوبات وغيرها من الادوات والمقاربات, التي ما تزال الادارات الاميركية المتعاقبة تُؤمِن بقدرتها على إخضاع وإيلام الخصوم, وخصوصا لجهة الحؤول دون انبثاق نظام دولي جديد, متعدِّد الاقطاب وأكثر توازناً ودائما ملتزماً القانون الدولي.

ما علينا..

يبذل المعسكر الاميركي واعوانه في الاقليم جهودا استثنائية, لفبركة انباء وتسريبات مبرمَجة, تتحدث عن «صفقة» ينوي ترمب عرضها على الرئيس الروسي في قمة هلسنكي العتيدة، تنهض في الاساس على «القبول» الاميركي بالنفوذ الروسي في سوريا, والاستعداد للانسحاب من قاعدة التنف وشرق سوريا, «مقابل» تعهّد بوتين «منع» ايران من الوصول الى جبهة الجولان مع العدو الصهيوني, ولاحقاً «طرد» ايران من سوريا, و»عرْض» اسرائيلي لإحياء اتفاقيات الفصل الموقّعة في العام 1974, شريطة التزام دمشق نصوص هذه الاتفاقيات وتحديداً ما خصّ عدم إدخال السلاح الثقيل كالدبابات والصواريخ.

يستبطن هذا الهذيان الصهيواميركي, الذي يروّج له بحماسة مُفتعَلة بعض العرب, وهم يتحسّسون رؤوسهم في حال من الهلع, لإدراكهم المتزايِد ان واشنطن ترمب ستخذِلهم وأن ادعاءاتها بالقوة والقدرة على فرض الصفقات ومعاقبة العاقِّين وازدراء كل من يرفض الاذعان لقرارات السيد الابيض، ليست دليل قوّة بقدر ما تعكِس ضعفاً وارتباكاً, ومحاولة محكومة بالفشل, للحؤول دون بروز نظام دولي جديد لا ينتظر الضوء الاخضر من ساكن البيت الابيض او يواصل الركوع لهيمنة النظام المالِي الأميركي والعقوبات الاقتصادية وتمدّد حلف الناتو.

ثمّ... هل ثمة من لا يزال يعتقد وبعد ثمانية عشر عاما, ان روسيا بوتين هي روسيا يلتسين؟ وان «عالمنا» الراهن هو ما كان عليه بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي؟ ويتجاهل أن دولا ذات اقتصادات صاعدة وترسانات عسكرية تزداد قوة باضطراد وتتوفر على امكانات بشرية وتكنولوجيا هائلة, قد بدأت تفرض نفسها على المشهد الدولي وتزاحِم واشنطن على القمة او اقلّه تدعوها بقوّة للتخلِّي عن عدوانيتها وغرورها؟ تحت طائلة المواجهة التي ليس بالضرورة ان تكون ذات طابع عسكري عند اول صدام؟ وإن كان هذا ما تلوِّح به اميركا على الدوام, كقوة بطش وعدوان وازدراء للقانون الدولي. لكن عالمنا الجديد بتوازناته الراهنة وخصوصا القادمة سيلجِم العدوانية الاميركية ويُكبّلها.

ليست روسيا ورئيسها على تلك الدرجة من السذاجة السياسية, ليقبلوا ان يكونوا «دمى» في خدمة الغطرسة الاميركية. والوجود الروسي في سوريا لا يكتسب شرعيته من واشنطن, فضلاً عن ان الواقع في مأزق حالياً هي ادارة ترمب, ما يعني أن لا حاجة الى صفقة كتلك التي يتحدث عنها المُسرّبون ووسائل إعلامهم واستخباراتهم, التي تعيش حالاً غير مسبوقة من الإرباك والفشل يختصرها الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف مُعلِّقاً على خبر سرّبته محطة CNN الاميركية, يتحدّث عن خطة ترمب لتقديم «صفقة» حول سوريا للرئيس بوتين عند لقائه به في هلسنكي: «لا أفهَم على اي معلومات تعتمد القناة؟ وما إذا كان شيء وراء هذه الاخبار, لا نعرف شيئاً عنه. وتُدهِشنا هذه الانباء»... ختم الناطق باسم الكرملين.

هذا لا يعني ان الازمة السورية لن تكون على طاولة المباحثات في اول قمة رسمية بين الزعيمين, كما العلاقات الثنائية واوكرانيا وسِباق التسلّح كأولوية عاجِلة ومُقلِقة, واتفاقيات الحد من المنظومات المضادة للصواريخ, التي تتعرّض الاتفاقيات «السابِقة» حولها للاهتزاز والإتّهامات المتبادَلة... بخرقِها.

في السطر الاخير.. حكاية الصفقات متهافِتة ولا قيمة لها, ولعل اطرف ما قيل حولها هو ذلك التصريح البائس واليائس الذي ادلى به نصر الحريري رئيس ما يسمى هيئة التفاوض, عندما وصفَها بانه صفقة «خبيثة» بين واشنطن وموسكو, ما يعني ان الرجل قد بات لا يجد من يحفَل به او يوكِل له ولمعارضاته الوهمِيّة, اي مهمة او اعمال قذرة كتلك التي قارفوها طوال سبع سنوات.

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة