الإثنين 2024-12-16 00:49 ص

في الوفاء ومعانيه ..

06:34 ص

أول أمس , كنت على موعد مع الزميل سعد السيلاوي في مطعم (الأوبرج) ...
جلسنا أنا وسعد , والزملاء :- خالد الرمحي , فارس الحباشنه , عماد العضايله...

واقترح علينا الزميل خالد الرمحي , أن نحتفل بحنجرة سعد السيلاوي الجديدة التي تم تركيبها في كندا ...والتي جعلته يعود للنطق مجددا , وخرجنا نتسكع في شوارع عمان لم نترك مقهى ولا مطعما ..وحين أغلق الجميع الأبواب , قصدنا كوخا لبيع القهوه .
قال لي سعد في لحظة برد وتعب :- (ياخوي الألم اللي شفتو ما حدا شافه , تعبت من كثر ما اتوجعت) ...وأنا وخالد الرمحي كنا نغرق في حديث وهمي , ونبتعد عنه , حتى لا يؤلمه الكلام ..سعد الذي كان يملأ الدنيا ضجيجا , صرنا نخاف عليه من الكلام ...تلك المرة الأولى في تاريخ الإعلام الأردني والتي يصبح الكلام فيها صعبا على صحفي محترف ووفي .
أنا لأ أريد أن أكتب عن سعد السيلاوي ولكني أريد أن أكتب عن الوفاء ..وعن صوره في مجتمعنا ... حين كان سعد يتربع على عرش المراسلين في الأردن , وكان قريبا من القصر في عهد الراحل الحسين وكان مصدرا للخبر ..في محطات مهمة من حياة الدولة, لم يتورط يوما بمسألة أردني أو فلسطيني ..لم يرجم موقف الدولة في حياته , لم ينقلب على رفاقه ..لم يوظف منبرا إعلاميا ضخما بحجم العربية أو بحجم (الأم بي سي) ..لخدش كبرياء الدولة أو لخدش موقف سياسي ما .
اليوم المشهد تغير كل واحد فينا يملك قلما صار في لحظة وصيا على الهوية وعلى التاريخ وعلى العشائر وعلى فلسطين ....وكأن قصصنا انتهت ولم يعد يشغل بالنا سوى التجاذبات ....
حين كان سعد قريبا من (أبو عمار) وكان المراسل الوحيد الذي إذا طلب موعدا منه تمت تلبيته , على الفور ...لم يوظف تلك العلاقة يوما في خدمة محطته , بل كان يقفز على كل الاسئلة كي يجر (ابو عمار) من أجل أن يثمن موقف الشعب والقيادة في الأردن ..
حتى حين مر الربيع العربي علينا ..ظل سعد هوالمراسل الوحيد الذي يتحدث عن سلوك المؤسسات الامنية وطريقة إحتوائها للناس , وكاميراته هي الوحيدة التي ظلت تطوف على رجال الأمن قبل المتظاهرين ...في لحظة يكون الوفاء للوطن أكبر من الوفاء للمهنه أو للمايكريفون , وسعد ترجم تلك المعادلة بحذافيرها .
لماذا نقفز عن نموذج سعد السيلاوي ...ونحن ندرك في قرارة أنفسنا أنه كان بإمكانه في لحظة , أن يكون ندا وخصما ومثيرا للزوابع وبطلا ..ونحن ندرك أيضا ..أن خلفه ماكنة إعلامية قادرة على إزعاج الدولة ...
....وحين يملك القلم ضميرا , وحين يملك وفاء للأرض والناس وحين يكون موحدا جامعا , نستطيع أن نتجاوز كل هذا الشغب ...
أنا أكتب واقدم سعد السيلاوي نموذجا , لرجل تعلم في مدرسة محمود الكايد ,وجمعه حماد ..وسليمان عرار ..ولم يتعلم الإعلام لا في مدارس ( الأن جي أوز) ولا في السفارات ولا من بوابات التمويل , ولا من زوايا الليبرالية الجديدة ..أصلا لو سألت سعد عن معنى الليبرالية , لحدثك ..عن مناسف عبد الحي المجالي , وحجم اللحم عليها ..ولهذا ظل وفيا للدولة والناس والعرش , وهي وحدها الأم بي سي ..بكل فروعها التي لم تنتج أزمة ولم تساهم في إنتاج أزمات في البلد .
أخي ..وصديق الخطى المتعبة , ورفيق الشكوى ..والفلسطيني الأردني النبيل ...لم تتسعنا عمان ذاك المساء ونحن نطوف فيها , ولم تتسعنا الطرقات ..وفرحنا في لحظة أسال الدمع من محاجر العيون ,ولكنك واقف صامد ..وما زلت مدججا بالذكريات عن الملك حسين وأبو عمار ..عن العراق , وما زلت حزينا على رفاقنا الذين ضاعوا منا في غفلة من العمر ...على حنا فراج وسامي الزبيدي وحبيب الزيودي ...
المشكلة يا سعد أننا عايشنا الزمن الصعب ,وفي هذه اللحظة نكتشف أنه لم يعد لنا لا دور ولا مساحة للكلام أو الرأي والذين كانوا في الظل والزوايا ..أختطفوا منا كل شيء حتى الكلام ....أنا لا أعرف يابن دربي وطفري ..وزمني المتعب , هل أعزيك بحنجرتك التي رميتها وقرر صوتك أخذ إجازة مفتوحة ..أم تعزيني بعشرين عاما أمضيتها أكتب للجيش وللبلد ولوجدان الناس ...وفي لحظة ....تفترسني البلد وكأني من دون تاريخ أو حضور أو وجه ...تفترسني على حدث قيل فيه أن فرقة موسيقية تعرضت للضرب .
يا سعد...انا مثلك , أحاول أجعل حنجرتي تستقيل من الكلام ...ولكن للأسف لايوجد اذن صاغية تقبل استقالة الكلام ...
سلامي لك يا رفيق الخطى المتعبه والزمن المتعب والدمع الجاف ..سلامي لك.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة