الأحد 2024-12-15 11:37 ص

ماذا نريد من السعودية والخليج ؟

11:32 ص

قد لا يفهم كثير من الناس العاديين أن العلاقات بين الدول تختلف كثيرا عن العلاقات الشخصية بين البشر ، فالعلاقة السياسية والاقتصادية والأمنية ليست علاقة دائن ومدين ، أو مجرد تعاملات بنكية أو ديون شخصية ، أو أحاسيس ومشاعر إنسانية بحتة تتغير بتغير المزاج أو الرغبة أو حتى الكراهية ، لذلك فإن العلاقة بين البلدان العربية خصوصا المتجاورة أو المتشابكة في العمق الانساني والمصلحي لا يمكن بناؤها على قواعد مصلحية ومنافع متبادلة ، فالعلاقات تبني من خلال استراتيجيات طويلة الأمد والاستراتيجيات هي أكسير الحياة بالنسبة للدول والأنظمة السياسية فيها .

في الفترة السابقة سائنا جدا ما صدر من فئة قليلة لا تدرك مرامي ولا تبعات ما تقوم به ، من خلال تقارير ومقالات صحفية من جهة ومن خلال تصرفات لأفراد لا يفهمون معنى وجودهم في منظومة سياسية أصلا ، حاولوا الإساءة لأشقاء وضيوف أعزاء من السعودية تحديدا ومن الدول العربية الخليجية لا ذنب لهم ، وذلك بعد تصريحات ترمي باللائمة على تلك الدول لتأخر المساعدات المالية التي أقرها مجلس التعاون الخليجي للأردن بواقع خمسة مليارات دولار على مدى خمس سنين ، وهذه التصريحات الصحفية والمقالات اللائمة والتهجم اللا إنساني ، عدا عن أنها مرفوضة من المجتمع الأردني بعمومه، فإنها تنم عن جهل بالمعلومة وتجن على من وقفوا مع الأردن سنوات بل عقودا طويلة .
في الأسبوع الماضي أعلن رئيس الوزراء عن وصول أولى دفعات الالتزام الخليجي من الجانب السعودي ، بواقع 500 مليون دولار كوديعة عبر منحة الصندوق الخليجي ، وكذلك مبلغ 150 مليون فوري للموازنة ، هذه الدفعات جاءت بعد عام فقط من آخر منحة سعودية بقيمة مليار ونصف دولار كدعم مباشر للأردن ووعد بمليار لعام 2013 ، وقبلها بعقود قدمت السعودية مليارات الدولارات وقدمت النفط بأسعار تفضيلية للأردن ، وبدون أي ضجيج إعلامي ، كذلك دول خليجية أخرى مشكورة كالكويت وقطر والإمارات قدموا أيضا مساعدات مالية ومنح ، وجاءوا باستثمارات مالية مباشرة من القطاع الخاص وبجهود فردية من جلالة الملك الذي يعطي ضمانة وطمأنينة لكبار أصحاب المال والأعمال في الخليج .
لذلك على البعض أن يفهم أن العلاقات الإنسانية الطويلة بعيدة كل البعد عن العلاقات المادية سريعة الزوال بزوال السبب ، والأردن كدولة ليس هو الأردن الرجل ، وعلينا حتى يحترمنا الآخر أن نحترم أنفسنا أولا ، ونثبت للمانح والمتعاقد وللسائح والمستثمر وللطلبة الذين يحجون الى جامعاتنا ، والمرضى الذين يثقون بصروح الطب عندنا ،أننا أهل الثقة و الوفاء ، وأهل لأن ندير أزماتنا المالية بالطريقة الصحيحة ، وأن نتحمل المسؤولية لنواجهة التحديات لا أن نرمي فشلنا على غياب أشقائنا لظروف لا نعلمها .
المواطن العادي لا يفهم كثيرا بأسرار العلاقات الخاصة بين أركان القيادات العربية ، فهي تسير حسب منظور سياسي في الغالب ، أما شرائح المجتمع والشعوب فليس لها سوى علاقة الدم والتراب والتاريخ واللسان والدين الواحد ، فالوشائج التي ترتبط بها المجتمعات العربية أكبر من العلاقات الخاصة بين الأنظمة الحاكمة ، ولهذا يجب أن لا يتم تعبئة المواطنين بمعلومات خاطئة، لسوء تقدير أو تبرير أو تصريح مسؤول قد لا يقدرّ ما يقول ، وقد لا يفهم أسباب المشكلة وسوء إدارتها ، وعلى الصحافة أن تكون أكثر وعيا بصراحة .
ما نريده من أشقائنا في السعودية والخليج هو علاقات ثقة ومحبة واحترام أخوي متبادل ، ضمن منظومة متكافئة ومصالح عربية متكاملة ، ولأن طمعنا بالمزيد من الدعم النفطي والمالي لدعم الخزينة ، فإننا نعرف أنهم لم ولن يقصروا ، وأن الأردن بحاجة أشقائه ، وأن تقدم الرياض ما تعهدت به لدعم الموازنة بمليار دولار وحسب ظروفها ، وأن تفي قطر والإمارات الشقيقتين بدفعات الصندوق الخليجي كما فعلت السعودية والكويت .
قال لي ولي العهد وزير الداخلية السعودي الأسبق الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله يوما في عمان أن العلاقات بين بلدينا لا ترتبط بالأشخاص أو الظروف لأنها علاقة أخوة مصيرية وتاريخية ، وهكذا يجب أن تكون .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة