رغم بشاعة حادث التفجير المُزدوج الذي ضرب منطقة بشيكتاش وسط اسطنبول السبت الماضي, وأودى بحياة اكثر من اربعين مواطنا تركيا بين شرطي ومدني اضافة لعشرات المصابين، والآثار السياسية والاجتماعية التي تتركها حوادث ارهابية كهذه على المجتمع التركي المُنقَسِم افقيا وعاموديا, وبخاصة بعد الانقلاب الفاشل الذي حدث قبل خمسة اشهر (15 تموز الماضي).. ومسارعة حكومة يلدرم الى اتهام حزب العمال الكردستاني التركي بالمسؤولية, وقيامها بحملة اعتقالات واسعة طالت عشرات نشطاء هذا الحزب او المتعاطفين معه، الا ان ذلك كله لم يُوقِف او يثني الرئيس التركي أردوغان, عن المضي قُدما في تنفيذ مشروع حلم حياته بتحويل النظام البرلماني القائم في البلاد والمستمر منذ العام 1923 حتى الان، الى نظام رئاسي, يضع «كل» الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية ويُلغي منصب رئيس الوزراء ويُقلّص صلاحيات البرلمان على نحو لا مساءلة فيه ولا استجواب, وان كان يُحاول تجميل سوءات النظام الجديد, عبر بعض القيود الشكلية, التي لا تنجح في ابقاء الحد الادنى من الصلاحيات لبرلمان مُنتَخَب او حكومة تنفيذية يمكن محاسبتها وحجب الثقة عنها، ناهيك عن تحجيم السلطة القضائية وتقزيم صلاحياتها واستتباعها.
يستفيد الرئيس اردوغان من المناخات التي أفرزها التهويل المقصود وحملة القمع والإعتقالات والتطهير التي جرت منذ الخامس عشر من تموز الماضي ولم تتوقف حتى الان, تحت عناوين ومسميات عديدة فضلا عن احتكار وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة وخصوصا المرئية واعتقال الصحفيين واغلاق الصحف والمحطات التلفزيونية، اضافة الى ظهوره المكثف امام الجمهور التركي يوميا ووِفق خطة اعلامية تعبوية مدروسة بعناية, لا يكاد المواطن التركي يتحرّر من «صورته» التي تظهر على شاشات التلفزة الحكومية او الخاصة يوميا وفي بث مباشر, تحت طائلة الإغلاق والإعتقال والمطاردة، في الوقت ذاته الذي لا يُسمَح، وليس بمقدور، اي زعيم سياسي مُعارِض, ان يُناقِش او يعترض او ينتقد مشروع التعديل الدستوري الذي سيُطرَح للإستفتاء لاحقا.
كذلك يمضي اردوغان قدما في تنفيذ سياسته الخارجية, القائمة على استراتيجية الاستمرار في ابقاء الفوضى والإقتتال على الاراضي السورية عبر دعم المنظمات والجماعات الارهابية, التي نجح في توظيفها لصالح مشروعه العثماني الجديد, تحت عنوان الجيش الحر, رغم ان الجميع في المنطقة وفي العالم،يعرف ان «لا» رابط بين هذه التشكيلات الارهابية التي استجلبها اردوغان من ارياف حلف وادلب والحدود المشتركة مع سوريا, وحملت اسماء مثل كتائب السلطان مراد والسلطان سليم ومَن انشق عن احرار الشام ونور الدين زنكي, كي يستظِلوا براية جيش وهمي اندثر منذ فترة طويلة اسمه الجيش الحُر، وكي يقوموا بالمهمة «القذرة» (من وجهة نظر الاتراك بالطبع) نيابة عن اسيادهم الاتراك الذين لا يشاركون في المعارك المزعومة ضد داعش, بدليل ان عدد القتلى من الاتراك لم يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة فيما سقط من هؤلاء المرتزقة العشرات، دون اهمال حقيقة ان داعش كان ينسحب تباعاً من المدن التي يقترب منها عسكر «درع الفرات»، وها اردوغان يُغامر باحتلال مدينة الباب وسيُدرِك لاحقا ان نتائجها لن تختلف عما حدث في حلب.
إلى أين من هنا؟
بعد فشِلَ اردوغان بالانخراط في معركة الموصل, ها هو يُعلِن ولو على شكل مناورة أومراوغة, ان قواته المتواجِدة في معسكر بعشيقة، سينسحبون بعد تحرير الموصل، واذ لا احد يعرف الموعد المتوقع لتحرير تلك المدينة الاستراتيجية, فان اردوغان يشتري الوقت، ربما كي يأخذ مرتزقته وقواته التي من المتوقع أن تجتاح مدينة الباب... الى الرقة، كي يفرض نفسه رقما صعبا ولاعبا لا يمكن تجاهله في الازمة السورية, التي اخذت منذ الان وبعد استعادة وحدة حلب وعودتها الى حضن الدولة الشرعية، مسارات جديدة ومختلفة، عمّا كانت عليه قبل تنظيف حلب من الجماعات الارهابية والتكفيرية.
فهل ينجح اردوغان في تمرير التعديل الدستوري؟
الفرصة مواتِية له.. برلمانياً، بعد ان ضمِن دعم حزب الجبهة القومية اليميني المتطرف بزعامة دولت بهشلي, ولا يحتاج سوى اربعة عشر مقعدا كي تتوفر لديه اغلبية 330 صوتاً في البرلمان للذهاب الى استفتاء شعبي, قد لا يكون مضمونا تماما، وبخاصة بعد التداعيات والاثار التي خلّفتها الاجراءات القمعية التي اتخذها اردوغان بعد الانقلاب الفاشل, فضلا عن المعارضة الشرسة لهذا التعديل من قبل حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال يلتشدار أوغلو (دع عنك حزب الشعوب الديمقراطي»الكردي في اغلبيته» والذي يتعرض لأبشع عملية تنكيل ومطاردة واعتقال قادته ونوابه والمتعاطِفين معه).
صلاحيات واسعة ومُطلَقة (اقرأ ديكتاتورية) يمنحها التعديل المقترح لرئيس الجمهورية، ويمكن القاء نظرة على المادة 104 منه لِاكتشاف حجم تلك الصلاحيات التي سيتوفر عليها اردوغان بدءاً من العام 2019 يقول النصّ: «يُمنَح رئيس الجمهورية, جميع الصلاحيات التنفيذية اضافة الى منصبه كقائد اعلى للجيش والقوات المسلحة، بما فيها تعيين نوّاب له، والوزراء واقالتهم, وتعيين السفراء في الدول الاجنبية وقبول سفراء الدول الاخرى, وتوقيع المعاهدات الدولية ونشرها وتحويل التعديلات الدستورية (التي يراها مناسبة) للاستفتاء الشعبي، واستخدام القوات المسلحة التركية في حال استدعت الضرورة».وغيرها من المواد التي لا تتسع المساحة لِإيرادها.
فَإذا لم تكن هذه صلاحيات ديكتاتور.. ما هي الديكتاتورية إذاً؟.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو