الخميس 2024-12-12 11:39 ص

مصر .. حرب الإعلام والاستقطاب السياسي

07:04 م

الوكيل - شيطنة الآخر وصم الآذان عن مبررات كل طرف وانقطاع قنوات الاتصال بين أنصار الإخوان المسلمين ومعارضيهم أصبحت سمة غالبة على الخطاب الإعلامي المصري، تؤجج النزاعات وتهدد بالانزلاق إلى ما هو أخطر من الحرب الكلامية.


فقد وصل الانقسام والاستقطاب في مصر إلى حدود غير مسبوقة حتى أنه عندما قال وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي - في بيانه في الأول من يوليو الذي أعطى فيه مهلة 48 ساعة للتوصل إلى حل للأزمة السياسية - أنه ينحاز إلى الشعب، احتار وتساءل كل فريق 'أي شعب يقصد، نحن أم هم؟'

ورغم أن الملايين التي لبت دعوة حركة 'تمرد' وخرجت يوم 30 يونيو مطالبة بعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي شعرت أن الفريق السيسي يتبنى موقفها، إلا أن الشك ظل يراودها حتى الدقائق الأخيرة من انتهاء المهلة، وردد كثيرون: 'أتمنى ألا يكون قد عنى الآخرين'.

ولم يؤد قرار السيسي بعزل مرسي إلى تخفيف النبرة الاستقطابية من الجانبين، بل ارتفعت لتصل إلى أرقام قياسية في الافتقار إلى معايير الحياد التي تفرضها المهنة.

وإذا كانت الصحف الحكومية قد مارست نوعاً من ضبط النفس، ففي المقابل ظهرت عناوين الصفحات الأولى لبعض الصحف المستقلة لتعلن أن 'البلد نظفت' من الإخوان أو 'مصر عادت إلى أهلها' ومهنئة قائلة 'حمد الله على السلامة يا مصر'، كما نشرت جريدة حزبية صورة مركبة لمرسي وكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين وكأنهم يقعون من مكان عال.

في المقابل، عندما تم إغلاق قنوات دينية وقناة مصر 25 التابعة لجماعة الإخوان، تزامناً مع بيان السيسي، اتخذ قادة الجماعة منصة مسجد رابعة العدوية، حيث يعتصم الآلاف من أنصارهم المطالبين ببقاء مرسي في الحكم، منبراً أطلقوا منه عدة خطابات أعادوا فيها اتهامهم لمعارضيهم بأنهم 'كفار' يريدون 'خروج الإسلام من مصر' ومطالبين أنصارهم بالدفاع عن دينهم 'بالدم'.

وكان هذا الخطاب التكفيري سمة سائدة بين الدعاة في القنوات الفضائية وحتى في خطب جماهيرية مثل مؤتمر نصرة الشعب السوري في يونيو، الذي قام فيه أحد الشيوخ بالدعاء على المعارضة في حضور الرئيس السابق مرسي نفسه، مما عمق شعور قطاع كبير من الشعب بأن رأس الدولة حنث بوعده في خطابه الأول بعد انتخابه بأن يكون 'رئيساً لكل المصريين' بل فقط 'لأهله وعشيرته' من الجماعة.

وأصبح أمراً طبيعياً أن يسمي أنصار الإخوان المسلمين معارضيهم 'الكفار' بينما ينعتهم هؤلاء بأنهم مثل 'الخراف' ينساقون دون وعي وراء من يسوقهم.

ويقول الصحفي هاني شكر الله لسكاي نيوز عربية إن 'الإعلام المصري - مطبوعاً كان أو مذاعاً - باستثناءات محدودة للغاية مازال أسير مفهوم استبدادي لدور الصحافة ومهمتها، حيث يحتل الكشف عن الحقيقة، وهو الرسالة الأولى للمهنة، موقعاً متدنياً في سلم للأولويات تقف على قمته مفاهيم من نوع تثقيف الجمهور وتعليمه وتوعيته وتعبئته'.

ويرى أن 'دور الصحافة عند هؤلاء هو تعبوي في المحل الأول الجمهور، يقوم على الاستعلاء على المتلقي للمنتج الصحفي، فهو عند أكثرهم غير مؤهل للتوصل إلى رأي وموقف من قضايا مجتمعه وعالمه دونما إرشاد وتوجيه'.

وشغل شكر الله، الذي عمل في جريدة الأهرام لعدة عقود، منصب رئيس الموقع الإلكتروني للجريدة قبل أن يحال هذا العام إلى التقاعد المبكر من قبل الإدارة الجديدة للجريدة التي عينها مجلس الشورى الذي يهيمن عليه التيار الإسلامي.

ويضيف الصحفي 'بطبيعة الحال، يستفحل هذا الوجه للصحافة في ظروف الاستقطاب، ونراه حتى في صحافة البلدان ذات التقاليد الصحفية الأكثر عراقة، وكلنا نذكر اللوثة التي أصابت الصحافة الأميركية بعد اعتداءات 11 سبتمبر'.

ووفقاً لشكر الله فإن 'ما شهدناه في الصحافة المصرية بعد 30 يونيو يمكن تلخيصه في التالي: الصحافة المملوكة للدولة انقلبت على وجهها الآخر، دون أدني خجل، ولعله الانقلاب الرابع أو الخامس من نوعه، وفي أكثر الأحوال بنفس الأطقم الصحفية، منذ 25 يناير 2011'.

ويضيف قائلاً 'الصحافة هنا صوت من بيده السلطة ومقومات الثواب والعقاب: لجنة سياسات، أمن دولة، عسكر، إخوان مسلمون، عسكر مرة أخرى'.

أما الإعلام الخاص فينطلق 'في مجمله من التقاليد والمفاهيم نفسها، ومع احتدام الأزمة السياسة وتواصل مقاومة الشعب المصري لاستبداد العسكر المتحالفين مع الإخوان بداية، ثم استبداد الإخوان فيما بعد، عكس الاستقطاب في الصحافة الخاصة الانقسام المتزايد في الفئات الحاكمة والدولة من ناحية كما عكس انقسام الصحفيين أنفسهم ما بين مؤيدين لهذه المقاومة، ومعادين لها، ومتلاعبين بها'، كما يعتقد الصحفي.

ويرى الصحفي أن 'القاسم المشترك بين الجميع هو المزيد من تقليص قيمة الكشف عن الحقيقة لصالح قيمة التعبئة حول موقف. وبطبيعة الحال كان من نتيجة ذلك أنه بعدما نجحت ثورة 30 يونيو في الإطاحة بحكم الإخوان، وما صاحب ذلك من إغلاق للمحطات التلفزيونية لهم ولحلفائهم، أن ندر أن نجد تغطية فعلية لما يحدث في معسكر الإخوان وحلفائهم، حيث تكاد تقتصر تلك التغطية على كل ما يمكنه أن يسئ لهم ويفضحهم، كما ندر أن تخضع روايات وتصريحات المسؤولين الجدد، وبالذات الجيش، للتساؤل والاستجواب والتحقق من صدقها أو كذبها'.

ويسوق كدليل على كلامه 'التغطية الإعلامية لمذبحة الحرس الجمهوري' عندما قتل 51 من أنصار الإخوان المسلمين فجر الاثنين برصاص جنود القوات المسلحة.

وكان هناك شبه تعتيم من جانب القنوات المعارضة للإخوان المسلمين التي اكتفت بعرض الخبر وتبريراته من جانب القوات المسلحة.

في نفس الوقت، قامت الجماعة بنشر صور على مواقعها الإعلامية لأطفال قالت أنهم سقطوا برصاص الجيش بينما تبين أنها لأطفال سوريين قتلوا في معارك بين الجيش الحكومي والمعارضة في سوريا وأثبتت وزارة الصحة عدم وجود أطفال أو نساء بين قتلى أحداث الحرس الجمهوري.

وتقول الناشطة الحقوقية غادة شهبندر إن 'الاستقطاب الحالي مرعب للغاية، ولكن يجب أن نأخذه في السياق العام، فالصحافة وقعت في فخ الاستهداف وأصبح التحريض ضدها يمنع مندوبي بعض القنوات من التوجه إلى اعتصام رابعة العدوية والآخر لا يجرؤ على دخول ميدان التحرير فتزداد التغطية أحادية الجانب'.

ولكنها ترى جانباً إيجابياً حيث أنه 'في وسط كل هذا الاستقطاب والانحياز نجد أن المتلقي قد يتشتت في بادئ الأمر، ولكنه يتعلم أن يستمع إلى كل القنوات ويراجع مواقفها وموقفه ويبدأ في تحكيم عقله دون وصاية من أحد'.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة