الأحد 2024-12-15 23:28 م

مطلوب خطير

02:20 ص

الوكيل -
عبدالهادي راجي المجالي
قرأت خبراً هذا الصباح عن مطلوب خطير يطعن شرطيا في الرصيفة للعلم انا لي تجربة مهمة في هذا المجال فقد تعرضت للطعن في القلب مباشرة.

كانت طعنة نجلاء..ومؤلمة أمضيت بعدها ردحا من القلق أعاني..
اتذكر ليلى التي جلست بجانبي في الصف الثالث الابتدائي وقد كانت تملك (ممحاة) ملونة ولها رائحة جميلة...وذات يوم حين ذابت ممحاة قلمي اعطيتني ليلى ممحاتها كي أنظف الصفحة من حرف تائه ظننتها (علكة) وقضمتها ولكنها نبهتني إلى أنها ممحاة وليست علكة...فاحمر وجهي خجلا وحاولت أن أؤكد لها أني لست (فجعانا).
ليلى بنت (حلوة) كانت قد انتظمت في مرتب الثالث الابتدائي للتو..وأخبرتني أن منزلها خلف البستان البعيد وأتذكر أنها كانت تملك (ذنبة) مثل ذيل الفرس، والشبرات التي تضعها على الذنبة كانت ملونة وأتذكر انها كانت ترتدي مريولا أزرق...والأهم أن عيونها كانت خضراء وانا كنت طفلا قد تعلِّم عشق العيون للتو.
في كل حصة كنت (اخربش) على كتابي كي تعيريني ليلى الممحاة..أتذكر لونها (زهري) وكنت حين أنهي المحي أعيد اليها ممحاتها...وذات يوم تحججت بأن قلمي (مفطوع) وطلبت منها (البراية) فأعارتني أياها..وأحيانا في الدرس ولحظة أن تدير المعلمة ظهرها للوح كنت أنشغل بالكلام الطفولي المباح مع ليلى...وكنت أتحجج بأن بعضا من الطباشير قد سكنت الجدولة وأني اريد ازالة بقاياها...يا الهي ما أكذبني ؟
اتذكر أني كنت أمد اصابعي اليها وأخبرها أن أمي قصت أظافري فهل فعلت أمك مثلما فعلت أمي....وهي تمد لي اصابعها وأنا من قبيل التأكد ليس الا... أمسك اليد من وسطها فقط لأتأكد....ويسري سحر الهوى في قلبي ولست أدري في تلك اللحظة أهي طفولتي أم أن قلبي كان أكبر من عمري في الهوى.
من أجل ليلى سرقت كل الطباشير الملونة في الصف وأهديتها اياها وذات يوم لأجل التأكيد على الحب...قمت بإحضار علبة ثقاب إلى المدرسة واقنعتها بأن نشعل الاشواك الموجودة في الساحة الخلفية..اصلا قلبي كان مشتعلا وبالنار تطفأ النار.
في أحد الأيام قررت المدرسة اجراء تنظيم لطلبة الصف الثالث الابتدائي مرتب الشعبة الف وباء...ونقلت ليلى إلى الشعبة ألف وأنا حملت حقيبتي وغادرت معها ولكن المعلمة أوقفتني وأخبرتني بأني سأبقى في هذه الشعبة....حاولت أن أخبر المعلمة بأني اريد أن ابقى مع ليلى ولكن طفولتي لم تساعدني والحب سر مفضوح ولا يعلن..وتلعثمت ذاب قلبي تماما مثل شمع المطاعم..لم تعد ليلى تجلس بجانبي فقد نقلوها إلى (رحلاية) في الشعبة الأخرى يجلس بها طالب وغد...وسرقها مني في غفلة من الطفولة وفي مؤامرة دنيئة وواضحة من إدارة المدرسة.
لم اعد أخربش على كتبي كي أستعير ممحاة ليلى ولم أعد استسرسل في نسخ درس القراءة كي تعجب ليلى بخطي..ولم أعد (افطع) القلم متعمدا كي تقدم لي ليلى (البراية)...تكسرت أحلامي تماما.
حالي الآن يشبه حالي في الصف الثالث الابتدائي..فأنا لا أملك رغبة حقيقة في الكتابة...لا أحس بالحرف أو الفكرة ...لا اشعر بتفاصيل الجمل والفارق بين ذاك الزمن وهذا الزمن أنهم نقلوا ليلى في الصف الثالث الابتدائي.....وفي مشيب العمر وأول الكهولة نقلوا أحلامي إلى شعبة أخرى وبقيت جسداً في (الرحلاية )...
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة