الأحد 2024-12-15 21:58 م

مفاجأة الرئيس!

08:59 ص

مفاجأة رائعة حملها، أمس، رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، للشارع الأردني، عبر الإعلان عن مسوّدة قانون الانتخاب الجديد، والتي تمثّل، أولاً، عودة لقانون الانتخاب المسمّى بقانون الـ'89'، أي تعدد الأصوات للناخب بقدر عدد نواب 'الدائرة الانتخابية'؛ وثانياً العودة إلى المحافظة كدائرة انتخابية في أغلب المناطق، باستثناء المدن الكبرى (التي ستقسّم لدوائر كبيرة)؛ مع إلغاء القائمة الوطنية، وخفض عدد أعضاء مجلس النواب إلى 130 عضواً، وزيادة عدد مقاعد المحافظات الكبرى (عمان، وإربد، والزرقاء).

القانون الجديد يحمل طابع الـ'89'؛ وهو الخيار الذي طالما أعلن د. النسور أنّه المفضّل لديه، وهو ابن تلك التجربة الانتخابية بجدارة. لكن القانون حمل أيضاً لمسات الدكتور خالد الكلالدة، وزير الشؤون السياسية، عبر إضفاء الطابع النسبي، والذي هو أيضاً منتج لجنة الحوار الوطني الذي تمّ وضعه على الرفّ حينها، بسبب القلق من تداعيات 'الربيع العربي'، وتحديداً الصعود الإخواني في مصر.
إلى فترة قريبة جداً، كانت التسريبات والمعطيات القادمة من دوائر القرار تشير إلى إصرار تيار رسمي على الاكتفاء بصوت للقائمة النسبية، وصوت واحد للمرشّح. لكن من الواضح أنّ الرئيس والكلالدة (وهذا يحسب لهما تماماً) استطاعا إقناع الآخرين بمبدأ 'تعدد الأصوات'، مع ضمانة 'النسبية' لعدم انفراد قوة معينة بأصوات الناخبين.
هذا القانون يمثّل مفتاحاً ذهبياً لبرلمان قادم مختلف. وليس واضحاً بعد فيما إذا كان هناك من سيسعى إلى 'عرقلة' القانون الجديد. لذلك، من واجب الإصلاحيين والديمقراطيين والقوى السياسية المختلفة أن يدعموا هذا القانون ويقفوا إلى جانبه، ولا يدعوا هذه الفرصة تضيع من أيدينا؛ ومن ذلك الضغط على مجلسي النواب والأعيان لتمرير القانون كما هو، وصولاً إلى انتخابات نيابية تعيد الزخم للحياة السياسية، بعدما وصلت دوائر القرار المختلفة إلى قناعة عميقة بأنّ 'الصوت الواحد' عاجز عن تطوير الأداء البرلماني، وبأنّه كان وبالاً على الحياة السياسية بأسرها.
النتائج المتوقعة المترتبة على القانون الجديد نوعية وجوهرية على صعيد مسيرة الإصلاح السياسي، كما أشار الرئيس أمس. فالعودة، أولاً، إلى المحافظة، يعني أنّنا سنتخلص من نواب الحارات والأحياء، الذين لا يمتلكون أي خبرة سياسية وليست لديهم حتى رؤية عامة للأزمات الوطنية. والقائمة، من ناحية ثانية، تعني تكتلات انتخابية على أساس البرنامج أو المطالب، ما يعطي الكتل عمقاً وأفقاً قبل الوصول إلى قبة البرلمان، كما يعطي الأحزاب والقوى السياسية القدرة على خوض الانتخابات تحت قوائم مشتركة أو متناغمة في المحافظات المختلفة. والنسبية، ثالثاً، تعني تطوير ثقافة الناخب الأردني وتحسين قدرته على الاختيار والتمييز بين المرشحين والقوائم، وإدخال مفهوم البرنامج للعملية الانتخابية، بدلاً من العلاقات الشخصية والوساطات.
مثل هذا القانون، مع وجود الهيئة المستقلة للانتخاب، مؤشر إيجابي تماماً على أنّنا في المرحلة القادمة أمام انتخابات ساخنة، وعودة للمرشحين المسيسين والقوى والأحزاب السياسية، وإلى جذب الجمهور العام والشباب إلى اللعبة السياسية بعدما فقدت بريقها منذ قرابة ربع قرن، بسبب 'الصوت الواحد' القاتل والفتّاك. وهذا ما يخدم العملية السياسية وشرعيتها وشعبيتها، ويمثل أهم عامل من عوامل الاستقرار السياسي في البلاد؛ أي أن يكون مبنياً على الإصلاح والتمثيل والمشاركة.
الخلاصة الأكثر أهمية، والأبرز، في حال سارت الأمور على هذا الخطّ وضمن هذه المؤشرات، هي أنّ القرار (داخل مطبخ القرار) يتمثّل في استثمار الفرصة السياسية الراهنة، مع حالة الركود السياسي الداخلي وتنامي الخشية من الأحداث الإقليمية المحيطة، من أجل المضي بإصلاحات سياسية داخلية نوعية، تساهم في بناء الجبهة الوطنية بصورة صحية، وترتيب البيت الداخلي.
بالطبع، هناك من سيقول لي: 'أصبحنا نخشى من جرعات التفاؤل الكبيرة'. وأنا أتفق معهم، لكن دعونا هذه المرة نتأمل خيراً، وندعم الخطوة المهمة والنوعية، ونقف مع الحكومة فيها.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة