الأربعاء 2025-03-05 02:11 ص

ناجي العلي .. كل فلسطين

06:16 م

عكست رسومات ناجي العلي إيمانه الثوري بأن فلسطين كلها له (لحنضلة.. لفاطمة.. لعبد القادر).. ولا يوجد فيها شبر واحد للبيع أو للتنازل أو للإيجار كلها أرض واحدة أسمها فلسطين، مفتاح عالم ناجي العلي الشخصي والفني والعقائدي هو إيمانه أن فلسطين هي كل فلسطين، كان اسمها فلسطين صار اسمها فلسطين وسيظل اسمها فلسطين، ودون أن تكون ملكية الأرض لأحد، الأرض لشعبها وليس لأفراد والتصرف بالأرض ليس حق فردي.. لا لسمسار ولا لزعيم.

'صباح الخير يا بيروت': الحرب الأهلية وفاطمة تطل من صدع في جدار هدمته قذيفة.. كم صدع بعد صدعك يا علي شق جدار الطمأنينة في القدس وبغداد وطرابلس ودمشق.. وما زالت فاطمة تطل من كوة الصدع ذاتها: صباح الخير يا عرب!
'مناحيم بيغن يبني سورا وخلفه قبة الصخرة وخارج السور عرب يناولونه الطوب': مازلنا يا صديقي نناول الطوب للأعداء بوعي وعمالة، أو بدون وعي وإصرار على التخلف!
'إذا جاءك الملكان وسألاك.. فقل لهما الله ربي ومحمد نبيي والكعبة قبلتي والشهداء أأمتي':
الشهداء اامتك يا ناجي.. فصرت إمام الشهداء أيها الرائي.. وكم إمام يفتي اليوم ليكبّر الصغائر ويصغر الكبائر! وينسى الشهداء!
لا يمكن للكلمات التقاط تجربة باتساع الجرح الفلسطيني.. لكن ريشة ناجي العلي التي نبتت وتجذرت في عمق الجرح الفلسطيني كبرت واستشرفت الجرح العربي الكبير النازف؛ الذي يتزايد نزفه كلما ابتعدنا عن القضية الفلسطينية، وكلما تشاغل الحكام واشغلوا الناس بالقطرية المهلكة.
يا علي.. حين تلامس الجرح ، وتظهر العيب وأنت ترسم الابتسامة على وجه القارئ، وحين يضحك الموجوع من ألمه، ولما تدير عنقه لينظر إلى الزوايا الحادة، وتعلمه كيف ينبش معك واقعه وتجعله يشتق من آلامه حلولا ولو بالأحلام.. وحين يقف حنظلة ليعبر عن رفض الخواء والانبطاح والاستسلام. فهو حقا مبدع نادر، ومشروع شهيد. ولأنه مبدع نادر فقد نال الشهادة بجدارة.
فن الكاريكاتير له أصوله وقواعده، لكن ناجي العلي رفع سقف هذا الفن عاليا ووسع قواعده وتعمق في أصوله..
تميزت رسومات ناجي العلي بالمزاوجة بين الصورة والكلمة فقام بكسر ظاهر اللفظ وتكثيفه باستخدام لغة غير تقليدية ، منتشية بعاميتها وشعبيتها وجماهيرية تبعث على الطرافة بحيث تتحول من كلمة إلى حركة داخل الصورة مع مراعاة السلاسة والوضوح اللذان يغنيان القارئ عن المعجم اللغوي لقراءة مقالة طويلة أو بحث محكم.
ناجي العلي هو رسام الثورة ومشاكسها، فالثورة في جوهرها نقد للواقع وسعي لتغييره.. لكن ناجي العلي كان ابن الثورة وناقدها. الفنان والمناضل لا ينفصلان لحظة.. المناضل الذي يرى عيوب ثورته بل ويحرض ضد انحرافاتها، وينتقد زعماءها.. هو نفسه الثائر المنافح عن مباديء ثورته وقيم الثوار.
هذا هو ناجي العلي الثائر الحر، الذي خلد الطفل حنظلة نموذجا للبراءة والصدق والعفوية والصمود إلى حد أن يقتل حنظله.. ناجي العلي يقتل حنظله! جندله صريعا شهيدا.. ليتبعه بلا وجل ولا تردد صريعا شهيدا على مذبح ثورته التي آمن بها وناضل من اجل انتصارها.
كان ناجي العلي قريب من الجماهير بل منخرط في حياتهم البسيطة بلا تكلف ولا منّة.. يمتلك القدرة على التكثيف الشديد للفكرة، والدخول عبر السخرية والمفارقات إلى لبّ الموضوع، وملامسة جوهر الحدث، ووضع الإصبع على بذرة الجرح، أو الظاهرة الاجتماعية، أو الحدث السياسي، وكذلك الوصول إلى أوسع الفئات والطبقات الاجتماعية على اختلاف مستوياتها الثقافية.. فجاءت رسوماته من صميم حياتهم وهمومهم واهتمامهم ، وكان فنه هو سلاحه في مواجهة الطغاة والقتامة والفساد فأجاد سحر التأثير.. والتاثر الى حد ان دفع حياته ثمنا لفنه الثوري. ولثوريته العنيدة.
إن المقدرة على التخيل وطرح المغازي بين ثنايا اللوحة بمباشرة ترتقي بفن الكاريكاتير إلى آفاق أوسع تأثيرا.. جعل من ناجي العلي 'إماما' لا يغيب وجعل من حنضلة رمزا لا يخيب.. (وعندما سئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب : عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته).
لقد ترك لنا ناجي رسومه وشخوصه وروحه مهاميز خالدة لا تنام ولا تكف عن إيقاظنا كلما تقاعسنا عن حقنا، أو سهونا أو عن جرحنا الفلسطيني.
ناجي العلي ثائر وفنان عصي على التعريف ، ولا تحيط به العبارة .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة