الجمعة 2024-12-13 00:57 ص

هل يجتاز لبنان .. هذا «القُطوع»؟

07:30 ص

وصل الاحتقان ذروته في لبنان يوم أمس ولم تتضح بعد, تداعيات واثار الغضبة الجماهيرية العارمة التي دعت اليها منظمات المجتمع المدني اللبنانية، دعوة اثارت فزع الطبقة السياسية والحزبية الحاكمة في لبنان, ما دعا بعضها الى حثّ مناصريه ومحازبيه على عدم المشاركة، فيما اعلن بعضها الآخر عن موقف اشبه بحال الطوارئ, تمثّل بعضها في تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري, الداعية الى «اعادة الامور الى نصابها» وترتيب اولويات المجلس الذي يرأسه وفق التالي: قانون جديد للانتخاب، تعيين لجنة برلمانية لكشف الفساد والمفسدين، واقرار سلسلة الرتب والرواتب. حيث الاخيرة تُشكِّل مادة دسمة للمزايدة بين الاحزاب وقادتها وتمنح فرصة للشعبوية, بين من كان ايّدها ثم عدَل عنها كسمير جعجع، وبين مَن يُنادي بإقرارها ويرفض تمويلها عبر فرض ضرائب على ذوي الدخل المحدود والطبقات الفقيرة, ويدعو لتمويلها من خلال فرض ضرائب على الاغنياء, كما جاء في خطاب أمين عام حزب الله السيد نصر الله, لكن الهيئات العمّالية والنقابية والأحزاب الداعِمة لها وفي مقدمتها الحزب الشيوعي, لا تقبل سوى إقرار سلسلة الرتب والرواتب ورفض الضرائب على الفقراء, وتدعو في الآن ذاته الى تغيير الطبقة السياسية وإسقاط النظام الضريبي الجائر على الفقراء.


واذ لم تنته بعد.. ذيول التصريحات العدائية والمفاجئة, التي خرج بها على اللبنانيين وخصوصا الفلسطينيين، الكاردينال الماروني بشارة الراعي، عبر محطة فضائيةعربية, مُحمّلاً الفلسطينيين مسؤولية «صناعة» الحرب في لبنان عام 1975، معتبرا انهم «صنعوا الحرب ضد الجيش اللبناني، وبنتيجتها عشنا حربا اهلية» متسائِلاً في الوقت عينه.. «لماذا لا يعودون»؟. ما اعتبره كثيرون، لبنانيون وفلسطينيون انه ليس فقط نكأً للجراح وفتحا لملف اشكالي لم يستقر رأي اللبنانيين, وبعد مرور اكثر من اربعين عاما, على من يتحمّل المسؤولية. حيث لا قراءة لبنانية موحَّدة, لِأحداث الحرب الاهلية هذه، كما لا يوجد موقف رسمي «واحد وموحّد منها» كما قال حسن منيمنة رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني, وهي هيئة رسمية تتبع رئاسة الحكومة اللبنانية.. فضلا عن ان تساؤل المطران الراعي حول لماذا لا يعود اللاجئون الفلسطينيون؟، يستبطن تجاوزاً - مقصوداً ربما - عن حقائق التاريخ, التي تقول إن الفلسطيني لم يذهب الى لبنان- قبل النكبة وبعدها - للسياحة او الاستيطان, دون ان نتجاوز حقيقة ان بعض العرب قد تواطؤوا من اجل دفع الفلسطينيين لمغادرة بلادهم, مع بيعهم الاوهام بان مغادرتهم لن تطول, وانها مسألة وقت قبل دحر العصابات اليهودية التي مكَّنتها تلك «المغادرة» المدعومة عربياً, من تحقيق حلمها باقامة دولتها, فَتُرِكَ الفلسطينيون لمصيرهم, وهناك مَن يتساءل في (استشراق لافت) الآن.. لماذا لا يعودون؟.

نقول: تراجعت ضجة تصريحات الكاردينال الراعي, فيما ازداد الصخب والتوتر في انحاء لبنان بعد ان اجمعت قوى سياسية وحزبية على تنفيذ اجنداتها المتضاربة رغم ما قيل عن الاجواء الايجابية التي رافقت وصول الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة، وسط توافقات ظن كثيرون انها ستضمن هدوءاً نسبياً, وان ما تبقّى من استحقاقات دستورية وبخاصة في شأن إقرار قانون جديد للإنتخاب, سيكون امرا في متناول اليد, وان الوقت ما يزال لصالح هذه «النيّات الحَسَنة», وقبل ان يتم استنفاده... سيكون هناك برلمان جديد وفق النصوص الدستورية، حيث لا تمديد للمجلس الحالي بعد ان مدّد لنفسه «مرتين», ولن يذهب لبنان الى «الفراغ» مرة اخرى, لأن الطبقة السياسية والحزبية الحاكمة «لن» تسمح بحدوث ذلك.

ذلك غدا لآن «كُله حَكي»كما يحلو للبنانيين ان يتندروا,فلا قانون انتخابياً قد تم اقراره والمهل الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة انتهت رسميا، ورئيس الجمهورية يرفض توقيع الدعوة، ما بالك ان الصراع محتدِم وينذر بالصِدام والمواجهات حتى بين الاحزاب اللبنانية ذاتها؟ ما يهدد ايضا بانفراط عقد «تفاهمات» قيل الكثير من المدائح عند توقيعها, وبخاصة بين الحزبين المسيحِيَيْن الاقوى التيار الوطني الحر (مؤسسه الجنرال عون) وحزب القوات اللبنانية بزعامة جعجع، فضلا عن الانقسام الافقي والعامودي, في ما كان يُعرف ذات يوم بفريق 14 آذار, الذي تبدّد وبات من الماضي.

ثمة في لبنان من يقول: ان الوضع بات خطيرا, داعيا الى تقديم تنازلات للوصول الى قانون انتخاب جديد, مُحذرا من اللعب على حافة الهاوية بالنسبة لهذا القانون, كما قال السيد نصر الله في خطابه اول من امس, وثمة من يعتبر ما يجري - مظاهرات يوم امس الاحد - اول اختبار للعهد الجديد (عهد الجنرال عون) ويرى في الاشتباك «السياسي» الذي اندلع الخميس الماضي في مجلس النواب، حمْلة «مُنظمة» على هذا المجلس, والهدف «تطيير» قانون الانتخاب والانتخابات, كما قال نبيه بري.

واذ ما اخذنا في الاعتبار ما «لم يَقُله» وليد جنبلاط المعارض الاكبر لقانون النسبية الكاملة واعتبار لبنان دائرة واحدة، في الاحتفال الذي أقامه يوم امس في ذكرى مرور أربعين عاماً على اغتيال والده كمال جنبلاط, والذي كرّسه لـِ»توريث»نجله تيمور الزعامة» الدرزية», والقول أيضاً انه حاضر «شعبياً» وقادر على تحريك الشارع والإفادة منه لتعزيز مواقفه حيال اي قانون انتخاب.. أو «غيره» لا يخدم مصالحه وزعامته، فان لبنان يكون بالفعل امام «قطوع» كبير وخطير, يصعب على احد التنبؤ ما اذا كان سيجتازه ام لا؟ واذا ما اجتازه.. فبأي ثمن سيكون؟ ومَنْ المستفيد الأكبر من كل ذلك؟.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة