تحظى المجالس التشريعية المنتخبة بانطباعات سلبية لدى عموم الناس في غالب دول العالم. الأردن ليس استثناء، استطلاعات الرأي العام العلمية تشير الى أن مجلس النواب لا يحظى بثقة عالية لدى غالبية الأردنيين من العينة الوطنية أو قادة الرأي العام. لهذا الانطباع أسبابه المختلفة منها ما هو مرتبط بالأداء، أو ببعض السلوكيات الفردية لقلة من النواب التي تعمم على المؤسسة النيابية كاملة، أو لأن كثيرين ممن أخفقوا بالانتخابات يكرسون خطابهم للنيل من نزاهة الانتخابات أو التنكيل بالمجلس المنتخب.
هذا الواقع بأسبابه المتباينة لا يجب أن يجعلنا نفقد التركيز على الأهمية الكبيرة جدا لمؤسسة البرلمان. لمجلس النواب مهام دستورية تشريعية تؤثر في حياة كل واحد منا، ولقدرته على إنتاج تشريعات عميقة مدروسة أثر كبير على مستوى معيشتنا ونوعية حياتنا، وتخفيف التحديات التي تواجهنا كمجتمع. كما أن دوره الرقابي مفصلي ومهم لجهة المساءلة وترسيخ قيم الرقابة والمحاسبة. هذا دور مهم للغاية لأن البرلمان قادر على المراقبة من خلال أدوات متعددة، وهي أدوات فاعلة ومؤثرة وليست عديمة الجدوى، والحق القول إنه لا حكومة مهما بلغت قوتها أو وسائل الدعم المتأتية لها لا تخشى البرلمان أو تقلق من مساءلته وجلساته الرقابية التي تضع الحكومة ووزراءها على المحك، وتحرجهم أمام الرأي العام إن لم يكونوا مقنعين، ما ينعكس على الحكومة وقوتها ودرجة قبولها.
ثمة دور آخر مهم لمجلس النواب تمثيلي سياسي يعد مفصليا للاستقرار المجتمعي والسياسي. الناس عندما يشعرون أنهم ممثَّلون، وأن من يمثلهم يقوم بدوره بشكل فاعل وبكفاءة، يشعرون براحة سياسية، وأنهم جزء من العملية السياسية الناظمة يؤثرون بالقرار بشكل أو بآخر عن طريق نوابهم. كثير من الأزمات التي تعصف بالمجتمع، ويتم نقاشها وأحيانا تأجيجها لأسباب متعددة ومن قوى مختلفة، تجد طريقها للحل من خلال قبة البرلمان، عندما يقوم النواب بعملهم بمساءلة الحكومة وإحراجها وطلب الحلول منها، ينتهي الأمر بتسوية سياسية ديمقراطية بين ممثلي الشعب وبين الحكومة التي صنعت القرار أو السياسة. قبة البرلمان كانت في عديد من المحطات عنوان الغليان السياسي ومكان الحل والتسويات في آن معا، وهذه هي الديمقراطية التي توظفها المجتمعات لحل المشاكل ومواجهة التحديات. لهذه الأسباب، فإن قوة البرلمان وفعاليته، ودرجة الأداء المقنع من قبله، تعد مصلحة عليا للدولة الأردنية، وأداة مجتمعية سياسية مهمة للحفاظ على الاستقرار واجتراح الحلول.
علينا جميعا أن ندرك أهمية البرلمان وأهمية انتخاباته، ولا يجب أن يضلل حكمنا على هذه المؤسسة الدستورية المهمة سلوكيات فردية لبعض النواب، الذين مارسوا الابتزاز والتضليل والاستعراض. ضعف الأداء في تشريع ما والإخفاق في التعامل مع ملف معين، أو سلوكيات فردية طارئة ومرفوضة لبعض النواب، لا يعني بحال عدم الأهمية الاستثنائية الرقابية والتشريعية والسياسية لمجلس النواب، ناهيك عن أنه ركن أساسي من بنائنا الدستوري؛ فالأردن بلد نيابي ملكي وراثي، وبرلمانه هو عنوان الديمقراطية التمثيلية الجامعة.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي