في الأردن، نؤمن بأهمية مؤسسة القمة العربية، والتي جاءت متزامنة مع إنشاء الجامعة العربية للتباحث في الأمور الطارئة، قبل أن تصبح دورية منذ مطلع الألفية الجديدة. هذا الإيمان مرده إلى المساهمة في تعزيز العمل العربي المشترك، وبحث التحديات التي تواجه البلدان العربية، في محاولة جادة لوضع أسس عملية لتخطيها.
قمة جدة الأخيرة، عكست هذا الإيمان حين شارك الأردن بأعلى وفد تمثيلي، لكي يمنح زخما كبيرا لهذه المشاركة، وبالتالي للملفات التي يتم نقاشها فيها. وقبل القمة، بذلت الدبلوماسية الأردنية كل ما في وسعها لتأمين عودة دمشق إلى الجامعة العربية، من خلال إطلاق مبادرة خاصة تخرج من العمق العربي، وقد نجح في ذلك.
لكن إيماننا بمؤسسة القمة لا يجب أن يلغي ضرورة العمل على المستوى الثنائي بين الأردن وباقي الدول العربية، انطلاقا من كونه أكثر نجاعة، خصوصا في الملفات الثنائية أو حتى الثلاثية. بالنسبة لعمان هناك ملفات مع الجارة الشمالية لا يمكن حلها في أروقة الجامعة العربية، إذ تحتاج إلى مباحثات ثنائية لمناقشتها، وعلى رأسها الملف الأمني والملف المائي.
الجامعة العربية لن تكون قادرة على إيجاد حلول لجميع الملفات، خصوصا الثنائية منها، فمصالح الدول تتصارع حولها، كما أن القمة العربية التي وإن أخذت طابع نقاشات مشتركة مفتوحة، إلا أن لكل دولة أولوياتها واعتباراتها التي تحاول التأثير من خلالها في طبيعة القرارات والتوصيات، رغم أن كثيرا منها يظل حبرا على ورق، بينما الخطابات تبدو كما لو أنها زخارف لغوية جميلة بشعارات قوية، ولكن من دون أي فائدة.
حتى في قمة جدة التي جاءت على وقع تطورات غير مسبوقة في المنطقة، وعلى رأسها الاتفاق السعودي الإيراني، وإقرار أرضية مشتركة للحوار مع الحوثيين في اليمن، وعودة سورية إلى الجامعة العربية، لكنها جميعها خفتت أنوارها بمشاركة الرئيس الأوكراني غير المرغوب به في الشارع العربي، والذي غالبا ما يوصف بأنه ربيب الولايات المتحدة الأميركية، ونصير دولة الاحتلال.
من خلال التجربة، فعمان عندما تنخرط في علاقات ثنائية أو ثلاثية، فإنها تحقق فائدة أكبر لمصلحتها، وللتدليل على ذلك لا بد من الإشارة إلى التقارب الأردني العراقي المصري، وما أفرز من اتفاقيات على صعيد الطاقة والتجارة وغيرها، وهو الأمر الذي ينعكس إيجابا على اقتصادات الدول المعنية وشعوبها، خصوصا أن تلك الشعوب لم تعد تؤمن برؤية طاولة مستديرة وأعلام وزعماء يلقون خطابات لا تقدم ولا تؤخر.
الأردن نجح في تحقيق توازن مهم بين العمق العربي العام، والعلاقات الثنائية، وهي السياسة التي جعلت منه جزءا من أي ملف عربي وإقليمي، ولعله من باب السير في مصلحة البلد إلى الأمام الدعوة إلى أن تنشط الدبلوماسية الأردنية في إقامة العلاقات الثنائية القوية مع المحيط، وبحث مجمل القضايا والملفات، وأن تمنح هذا الجانب أولوية قصوى في عملها.
نحن لا نقول إن علينا أن نخفض جهودنا في العمل العربي العام المشترك، ولكن، وللحقيقة، ينبغي أن يتم النظر جديا في محاولة إصلاح القمة العربية، وجعلها مؤسسة في خدمة الشعوب، وتوجيه قراراتها إلى هذا السياق، وبالتالي ردم الفجوة المتأتية من تاريخ طويل ابتعدت فيه عن نبض الشارع.
لسنا سوداويين، ولكننا ننظر بعين الواقع.
حتى اليوم ما تزال مصلحتنا الوطنية قائمة في العلاقات الثنائية التي تشكل زخما في الملفات التي يتم تناولها فيها. وإلى حين إصلاح أنظمة الجامعة العربية والقمة، فعلينا أن نظل حريصين على مصلحتنا، لا أن تكون ملفاتنا “حطبا” في قمم تبحث “الحدود الدنيا”، ولا تعد بأي فرق في مستقبلنا.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي