علينا جميعا أن نعقلن سقف التوقعات عندما نقرأ الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير. الاتفاق لا شك خطوة إيجابية، لكن من المبكر جدا أن نحكم عليه أو أن نقوله ما لم يقل، والأسلم، أن نضعه في إطاره التاريخي الصحيح؛ حيث سبق وأن تم عقد اتفاقات مشابهة ولكنها لم تؤدّ النتائج المرجوة، وغلبت بالنهاية أجواء اللاثقة والعودة للمواجهات السياسية والأمنية التي لطالما كانت سببا ووبالا على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. من غير الحكمة أن نعتقد أن إيران، بعد هذا الاتفاق، سوف تغير نهجها الذي امتد منذ ثورة الخميني، والذي توغل وأصبح عجينة ونخاع النظام الأساسية، والأرجح أن الاتفاق الحالي الأخير محطة تكتيكية وليست نهاية الحرب الباردة بين إيران والسعودية ودول الخليج العربي الأخرى.
إيران تسعى للسيطرة على الإقليم، وأن تكون الدولة الآمرة الناهية وتصدر الثورة، وعلى طريق الوصول لهذه الأهداف، تستخدم حزمة من الأدوات التي مكنتها من السيطرة على أربع عواصم عربية وتسعى للمزيد. فهل نتفاءل أن الاتفاق الأخير هو تغيير جوهري ببنية وإيديولوجية النظام الإيراني؟ وأنه سيتوقف عن تصدير اللااستقرار والتدخل بشؤون الدول الأخرى؟ وأنه أحدث التغيير المطلوب في أن مسعاه ليكون دولة فاعلة في الإقليم طريقه إراحة الجيران وبناء علاقة طبيعية صديقة معهم وليس التهديد والسير نحو القنبلة؟ كل هذه الأسئلة لا يمتلك أحد الإجابة عنها، وأميل شخصيا لإجابتها بالنفي، لأن تاريخ إيران وسلوكها لا يسعف بغير ذلك.
أما التفاؤل بسبب الدور الصيني الذي لم يتوقعه أحد، فهذا أيضا أمر يوجب الحذر. الصين صديقة للطرفين ولها مصالح مهمة في الخليج، لكنها هي ذاتها لا تريد أن تقوم بالدور الأميركي بالخليج، فلا مصلحة لها بذلك، كما أنها لا تمتلك من أدوات الضغط، ولا من التواجد العسكري والأمني بالخليج، ما يمكنها من أن تكبح جماح إيران أو أن تضمن أمن الخليج.
الصين غير قادرة ولا راغبة بلعب هذا الدور. هي استخدمت المساعي الحميدة والدبلوماسية لكي تحقق تقاربا بين إيران والسعودية ولا أحد يضمن استدامة ذلك، والأرجح أن الطرفين سوف يستمران بالاستعداد ليوم المواجهة إن هم اضطروا لذلك، فالسعودية تسير نحو القنبلة تماما كما إيران، وبعدها ستعلن تركيا ومصر وإسرائيل برامج نووية لكي تفعل منطق الردع النووي، وهذا سيجعل الشرق الأوسط قنبلة موقوتة مليئة بالنووي لدى أنظمة تحكم قراراتها صيغ عمل غير تلك التي خبرناها.
لو كانت إيران جادة في تغيير النهج والتوقف بالتدخل بشؤون الآخرين، ولو أنها فعلا وصلت لقناعة بأهمية وأولوية الجيرة الطيبة على المواجهة، لفعلت الكثير على طريق إثبات ذلك، بدءا من توقف دعهما لميليشيات على أراضي العراق وسورية، مرورا بدور إيجابي باليمن يتوقف عن دعم الحوثي لأسباب طائفية، وانتهاء بدور بناء في لبنان يبتعد عن دعم حزب أصبح أقوى من الدولة اللبنانية. إذا استمرت إيران بهذه الأدوار، فعن أي اتفاق نتحدث؟! وكيف للصين أن توقف هذه الأدوار الإيرانية الباعثة والمحفزة لعدم الاستقرار داخل الدول وفي الإقليم.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي