أدرك البنك المركزي الأردني، في وقت مبكر من الأزمة، حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في مرحلة صعبة وشديدة الخطورة، لم يسبق للاقتصاد العالمي أن مر بمثلها منذ قرن من الزمان.
البنك المركزي هو مايسترو الاقتصاد الوطني، وبالمعنى السياسي يمثل الركن الاقتصادي في منظومة الدولة العميقة، إلى جانب مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والبيروقراطية.
في ذروة أزمة كورونا، سألت محافظ البنك المركزي زياد فريز، عن أوجه الشبه بين الأزمة الحالية، وما حدث من انهيار اقتصادي ومالي عام 1989. في رأيه الوضع مختلف كليا هذه المرة، نظرا لاختلاف الأزمة وطبيعتها، وصعوبة التنبؤ بمسارها ومآلاتها. لكن في كل الأحوال أكثر ما كان يسيطر على تفكيره، حماية الدينار الأردني وسلامة الجهاز المصرفي، والبحث في حلول مبتكرة لتحفيز الاقتصاد الوطني بأسرع وقت ممكن.
السياسة النقدية الحصيفة التي اتبعها “المركزي” خلال السنوات الماضية مكنته من تأمين الهدفين؛ الأول الثاني منذ البداية، والتفرغ لتصميم حزم اقتصادية تساعد القطاعات المختلفة على الصمود والبقاء في مواجهة الجائحة. وفي الطريق لتحقيق هذا الهدف، انتهج البنك المركزي مزيحا من المقاربات المرنة والصارمة لضمان الامتثال المصرفي التام لتعليماته.
تخفيض الفائدة 150 نقطة انعكس بشكل إيجابي على ألوف المقترضين من المواطنين، وتبع ذلك بحزمة لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الوفاء بالتزاماتها ودفع أجور نحو 75 ألف موظف كان الخيار البديل أمامهم هو التسريح من العمل. مثلما عمل البنك على تفعيل برنامج التمويل الميسر لمختلف القطاعات الاقتصادية لمساعدتها على مواصلة أعمالها.
تطلبت المصلحة الوطنية اتخاذ قرارات صعبة لحماية أموال المودعين والمساهمين، وتوفير السيولة، فلم يتردد البنك المركزي في ممارسة حقه في طلب تأجيل توزيع أرباح المساهمين لعام 2019.
البنك المركزي الأردني الذي تأسس في أواخر الخمسينيات، من بين عدد قليل من المؤسسات المدنية الأردنية التي حافظت على نهج مؤسسي في العمل، واحتفظت بطاقم عريض من الخبرات المشهود لها، وتقاليد راسخة في الإدارة، منحها قدرة على الابتكار والتطوير ومواكبة التحديث. وقد جنبها ذلك تجاذبات السياسة وضغوط السلطة التنفيذية والتشريعية، وما يرتبط بهذه الضغوط من وساطات تعاني منها مؤسساتنا، وتدخلات ترتد سلبا على العمل والمصلحة المؤسسية.
تحصين البنك المركزي منحه سلطة نقدية خالصة لا تخضع لأمزجة الحكومات، فالجميع صار يعلم كلفة التلاعب بالمؤسسة التي تسهر على حماية الدينار الأردني والسياسة النقدية.
ربما يكون لاستقرار الإدارة العليا في البنك المركزي دور في ذلك، ويمكن ملاحظة ذلك عند استعراض تاريخ القيادات. مؤسس البنك ورائد مسيرته المرحوم خليل السالم أمضى 10 سنوات متواصلة محافظا للبنك، والمرحوم محمد سعيد النابلسي 18 سنة على مرحلتين حاسمتين، أما الدكتور أمية طوقان فقد قضى 10 سنوات، والمحافظ الحالي الدكتور زياد فريز يشغل الموقع منذ ثماني سنوات، وسبق له أن حمل المسؤولية أربع سنوات قبل ذلك.
وما يميز الأربعة الأطول خدمة في مواقعهم، أنهم محافظون حقا، فالبنك المركزي مؤسسة لا تحتمل المجازفة، وتحتاج لرجال يدركون حجم المسؤولية وعظمها.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي