انتفاضتا الشعبین؛ السوداني والجزائري اعادتا الاعتبار للربیع العربي مبدئیا من جھة ان احدا لا یستطیع افتراض ان الانتفاضتین صنیعة مفتعلة لأطراف خارجیة لتدمیر الدولة الوطنیة! فمن یستطیع ان ینكر أن الناس نزلت الى الشارع بإرادة حرة وشجاعة بعد أن عیل صبرھا إزاء سلطة فردیة مستبدة فاسدة ترید البقاء رغم حكم الطبیعة ( بوتفلیقة ) وحكم التاریخ ( البشیر) ؟!
لكن الأمور معلقة بخواتیمھا فلو انتھت الانتفاضتان الى صدام اھلي دموي فسوف یعود انصار نظریة المؤامرة ظافرین لممارسة ھوایتھم الاتھامیة أما اذا تراجعت الثورة تجنبا للصدام فسوف یتیھ المحافظون بخیلائھم وبالدرس المتجدد عن عجز الشعوب في فرض التغییر.
ثورتا السودان والجزائر سارتا على خیط دقیق بین الخطرین خطر الوصول الى صدام اھلي مدمر وخطر التراجع والنكوص امام تعنت السلطة القدیمة والأمور لم تحسم حتى الآن. ونعرف ان تشدد العسكر یلقى الدعم من قوى عربیة لا ترید لھم ان یتنازلوا امام شعوبھم .
العسكر في السودان ما یزالون یراوغون ویناورون، وفي تفاصیل المفاوضات یظھر التشبث بالسلطة وكان مشروعھم الأول انفراد المجلس العسكري بالسلطة لثلاث سنوات لكن استمرار نزول الشعب للشارع بعنفوان اكبر حتى بعد المجزرة المروعة أمام قیادة الجیش ونجاح ”بروفا“ العصیان المدني في اول یوم لھ اجبر العسكریین على التراجع خطوتین وفي النھایة توقیع الاتفاق الذي اعد بوساطة الاثیوبیین وینص على مجلس سیادي انتقالي مناصفة مع المدنیین.
نحن جمیعا تنفسنا الصعداء بتوقیع الاتفاق الذي جنب قوى الثورة التصعید والذھاب الى امتحان نھائي في مواجھة العسكر لكن ما نزال في بدایة الطریق فالاتفاق ترك لوقت لاحق العدید من التفاصیل وكل واحدة منھا ستكون موضوع شد وجذب بل ان تطبیق الخطوة الأولى من الاتفاق اي تشكیل المجلس السیادي محاطة بألغام. الاتفاق ینص على تشكیل المجلس مناصفة بین قوى الثورة والتغییر والمجلس العسكري وعضو اضافي یتم الاتفاق علیھ من الطرفین وتكون الرئاسة للعسكر لأول سنتین من الثلاث سنوات وثلاثة اشھر الانتقالیة قبل الانتخابات. وھو ما یجعل سلطة القرار داخل المجلس شدیدة القلق. وعملیا بید العسكریین. والآن یطلب العسكریون الحصانة لأنفسھم. فھم كانوا من اركان نظام البشیر وقد یكون تاریخ بعضھم مثقلا بالجرائم والفساد بل ان نائب رئیس المجلس الفریق محمد حمدان دقلوا قائد قوات التدخل السریع والمشھور باسم ”حمیدتي“ ھو ابرز المھددین بالمساءلة عن المجزرة التي یعتقد أن قواتھ ھي التي ارتكبتھا بحق المتظاھرین وینص الاتفاق على تحقیق مستقل بشأن المجزرة وقبل ذلك فھو القائد الشھیر للجنجوید الذین ارتكبو المجازر في دارفور.
الامتحان الصعب الآن ھو انجاز المرسوم الدستوري الذي یحدد صلاحیات المجلس الانتقالي والحكومة ویطلب العسكریون سلفا ان ینفردوا بتعیین وزیر الداخلیة والدفاع وقد ثم ارجاء الاتفاق لتشكیل المجلس التشریعي بسبب الخلاف على النسب ودور الاطراف في تسمیة اعضائھ. لكن كل خطوة قبل ذلك ھي محل شد وجذب لأن العسكریین في الجوھر یریدون الاحتفاظ بالسلطة الأخیرة مبدئیا لحمایة انفسھم ثم في وقت لاحق للانقلاب على مشروع السلطة المدنیة الدیمقراطیة وعودة السلطة العسكریة للحكم.
لیس بید قوى الثورة والتغییر سوى الشارع لمواصلة الضغط وعند كل محطة سوف یكونون امام الخیار الصعب بین التنازل والتفریط او التشدد والمغامرة بالذھاب الى صدام وبین الخیارین وكل التسویات المحتملة بینھما الحفاظ على وحدة التحالف التي تعطیھ القوة والشرعیة لتمثیل الشعب السوداني وقضیة التغییر.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي