لكن هاجسا ثقيلا انتابني في الليل. فقد تملكتني الرغبة في أن اصرخ بأعلى صوتي. ولما كنت أعيش في مجتمع محافظ ولي من السمعة الطيبة ما هو جدير بحسد الكثيرين، فقد واجهت الإحباط أكثر من مرة، ولم تواتني الشجاعة على الصراخ في مكان يسمعني فيه الناس.اضافة اعلان
غطيت رأسي باللحاف وحاولت. حاولت إطلاق الصرخة لكني فشلت، مما أرقني طوال الليل. في الصباح، وكنت ما أزال في الفراش، حاولت إطلاق الصرخة، لكني وما أن فتحت فمي، إلا وجاءت زوجتي بالقهوة. تظاهرت بأنني كنت أتثاءب، ممنيا النفس بأن أجد الفرصة لتفريغ هذه الرغبة في القريب العاجل قبل أن تفتك بي.
خرجت الى الشارع، قلت في نفسي، ربما صرخت ولم يلحظ أحد، لكن ما أن هممت بذلك حتى أحسست بأن عيون الجميع (تبحلق) بي بدهشة واستغراب - آه لو كنت طفلا لصرخت ملء رئتي حتى لو تبع ذلك العديد من الضربات التأنيبية الحنون على مؤخرتي - ثم قلت كأنني اكتشفت شيئا جديدا : الان ادركت لماذا يصرخ الأطفال لحظة ولادتهم، فالصراخ لا شك أفضل متعة من متع الدنيا.
ركبت سيارتي الصغيرة متوجها الى العمل، أغلقت الشبابيك ورفعت صوت الراديو على الاخير .. حاولت الصراخ لكني أوقفت المحاولة وانا أشعر بالخجل لكأن كل هذه الزوامير انطلقت احتجاجا على الصخب المنبثق من سيارتي أو على صراخي المتوقع.
وصلت المكتب، أغلقت الباب على نفسي وفتحت فمي على آخره لكني لم أصدر صوتا، إذ تذكرت أن صوتي الجهوري، الذي ورثته عن أبي، كان لا شك سيهز أركان البناية. يا إلهي، انا على استعداد للتضحية برصيدي المتواضع لقاء إطلاق هذه الصرخة.
فجأة اراحني خاطر ما: لماذا لا اذهب للبحر، فالشاطئ خال تماما في هذه الساعات وانا لا آبه إذا ما سمع السمك صراخي. فقد صرت واثقا بأن البشر جميعهم يتآمرون على صرختي هذه.
حصلت على إذن مغادرة بالتي هي أحسن. ركبت سيارتي التي كانت تلتهم الطريق الأفعواني بسرعة جبارة لم اجرؤ في حياتي على مجرد التفكير بأني سوف أصلها. بصراحة كنت أطير.
وصلت الطريق الرملي المؤدي الى الشاطئ. ترجلت من السيارة باتجاه الموج المرتطم بالصخر الاسود. الهواء المنعش يملأ صدري. الرذاذ الابيض يرتطم بوجهي. كل شيء مناسب لتحقيق رغبتي الاستحواذية. ملأت رئتي بالهواء الطلق حتى انتفخ بطني كالبالون. فتحت فمي على آخره. وصرخت. صرخت. صرخت. لكن، راودتني الشكوك بأنني لم اصرخ قط، تأكدت من قيامي بهذه العملية جرّاء الألم الخفيف الذي تسرب الى حنجرتي وفكي. صرخت، ولكن أين صرختي. فلم اسمعها اطلاقا ولم يسمعها أحد !!
آخ على صرخة حرّة.
(من كتابي الجديد «البالون رقم 10»)
غطيت رأسي باللحاف وحاولت. حاولت إطلاق الصرخة لكني فشلت، مما أرقني طوال الليل. في الصباح، وكنت ما أزال في الفراش، حاولت إطلاق الصرخة، لكني وما أن فتحت فمي، إلا وجاءت زوجتي بالقهوة. تظاهرت بأنني كنت أتثاءب، ممنيا النفس بأن أجد الفرصة لتفريغ هذه الرغبة في القريب العاجل قبل أن تفتك بي.
خرجت الى الشارع، قلت في نفسي، ربما صرخت ولم يلحظ أحد، لكن ما أن هممت بذلك حتى أحسست بأن عيون الجميع (تبحلق) بي بدهشة واستغراب - آه لو كنت طفلا لصرخت ملء رئتي حتى لو تبع ذلك العديد من الضربات التأنيبية الحنون على مؤخرتي - ثم قلت كأنني اكتشفت شيئا جديدا : الان ادركت لماذا يصرخ الأطفال لحظة ولادتهم، فالصراخ لا شك أفضل متعة من متع الدنيا.
ركبت سيارتي الصغيرة متوجها الى العمل، أغلقت الشبابيك ورفعت صوت الراديو على الاخير .. حاولت الصراخ لكني أوقفت المحاولة وانا أشعر بالخجل لكأن كل هذه الزوامير انطلقت احتجاجا على الصخب المنبثق من سيارتي أو على صراخي المتوقع.
وصلت المكتب، أغلقت الباب على نفسي وفتحت فمي على آخره لكني لم أصدر صوتا، إذ تذكرت أن صوتي الجهوري، الذي ورثته عن أبي، كان لا شك سيهز أركان البناية. يا إلهي، انا على استعداد للتضحية برصيدي المتواضع لقاء إطلاق هذه الصرخة.
فجأة اراحني خاطر ما: لماذا لا اذهب للبحر، فالشاطئ خال تماما في هذه الساعات وانا لا آبه إذا ما سمع السمك صراخي. فقد صرت واثقا بأن البشر جميعهم يتآمرون على صرختي هذه.
حصلت على إذن مغادرة بالتي هي أحسن. ركبت سيارتي التي كانت تلتهم الطريق الأفعواني بسرعة جبارة لم اجرؤ في حياتي على مجرد التفكير بأني سوف أصلها. بصراحة كنت أطير.
وصلت الطريق الرملي المؤدي الى الشاطئ. ترجلت من السيارة باتجاه الموج المرتطم بالصخر الاسود. الهواء المنعش يملأ صدري. الرذاذ الابيض يرتطم بوجهي. كل شيء مناسب لتحقيق رغبتي الاستحواذية. ملأت رئتي بالهواء الطلق حتى انتفخ بطني كالبالون. فتحت فمي على آخره. وصرخت. صرخت. صرخت. لكن، راودتني الشكوك بأنني لم اصرخ قط، تأكدت من قيامي بهذه العملية جرّاء الألم الخفيف الذي تسرب الى حنجرتي وفكي. صرخت، ولكن أين صرختي. فلم اسمعها اطلاقا ولم يسمعها أحد !!
آخ على صرخة حرّة.
(من كتابي الجديد «البالون رقم 10»)
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي