تقرأ أخبار العراق، فتشعر بكل أسى، فهذا البلد العربي، ومنذ عقود، ينهار بشكل يومي، ومنذ نهاية الخمسينيات وحتى يومنا هذا، لم يهدأ يوما واحدا.
ما هي هذه اللعنة التي حلت على العراق، خلال ستين عاما، والتي جعلت أغلب السنين تتسم بالدموية، عبر الاقتتال الداخلي، أو الحروب، أو الصراع على السلطة، أو تسلط الثلة الحاكمة، أو الانقسام الديني والطائفي والعرقي، وإذا كان البعض يقف مع هذه المرحلة أو تلك، فإن الكل يتناسى أن السمة المشتركة بين كل المراحل، هي موت العراقيين في حروب مجانية، وتبديد مئات المليارات عبر الحروب، أو الفساد، أو أي شيء آخر، إضافة الى عدم الاستقرار في هذا البلد؟!
مئات الشهداء، وآلاف الجرحى، سقطوا خلال شهرين، في المظاهرات الأخيرة، وقبل ذلك، سقط آلاف الشهداء والجرحى، في الحرب المذهبية التي شنها تنظيم الدولة ضد العراقيين الشيعة، ومثلهم آلاف الشهداء والجرحى والمشردين، الذين رأيناهم بسبب عمليات تطهير الجيش العراقي، والحشد الشعبي، والتي نالت من العراقيين السنة، وهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، بذريعة محاربة الإرهاب.
ماذا استفاد الشعب العراقي، من كل هذه الشعارات والبرامج والحروب، منذ نهاية الخمسينيات وحتى يومنا هذا؟ إذ لم يعش العراقيون يوما واحدا هادئا، والمشكلة أن العالم العربي، ما يزال يجدول أزمته الوجودية، فيناقشك فيما فعله صدام حسين فقط، أو نوري المالكي، أو السيستاني، أو عبدالكريم قاسم، وغير ذلك من أسماء مرتبطة بمراحل، لكن لا أحد ينظر الى الكلفة الإجمالية، لهذه اللعنة التي حلت على العراق خلال الأعوام الستين الماضية، وبحيث يعد العراق البلد العربي الأول، من حيث عدم استقراره نهائيا، مقارنة بدول أخرى شهدت فترات صعبة، لكنها عادت واستقرت بشكل طبيعي.
أحدهم يقول إن الشعب العراقي صعب، ولا يمكن له أن يستقر، أو يقبل بعضه بعضا، ومقسّم داخليا، وكل فئة لا ترحم الأخرى اذا حكمت، وهذا التفسير قد يكون صحيحا، لكنه ليس كل الحقيقة، لأن هناك شعوبا عربية أخرى، تتسم بصعوبة شخصيتها، وتعاني أيضا من تقسيمات داخلية في بنيتها الوطنية الاجتماعية، لكنها لم تواجه هذا المصير الدموي طوال ستين عاما بلا انقطاع، وكل انقطاع كان مجرد استراحة قصيرة، توطئة لمرحلة أكثر دموية.
التفسير الآخر، يقول إن العراق أغنى بلد عربي بالنفط والثروات، ولم يتم تركه في حاله، جراء المؤامرات، والتدخلين الإقليمي والدولي، وهذا يفسر إغراقه بالحروب والمؤامرات والفتن الداخلية، ووجدت كل هذه الظروف وكلاء وأعوانا، جروا العراق الى هذا المصير الأسود، وهنا أيضا قد يبدو التفسير مقبولا، لكنه ليس كل الحقيقة؛ إذ إن هناك دولا عربية ثرية جدا، ولم تعش هذه الحالة، بل على العكس استفاد مواطنوها من مواردها، وبقيت آمنة الى حد كبير، ولم تتسلل اليها المؤامرات، ولم تجد الحروب والفتن، موقعا على أراضيها.
البعض يأخذك الى التاريخ، ويبحث في تاريخ العراق، عن أحوال مشابهة، في حضارات بائدة، وكأنه يريد إقناعك أن التاريخ يعيد نفسه، وأن قدر هذه الأرض أن تبقى غارقة بالدم، وهذا أيضا تفسير غير منطقي، لأنك لا تعرف لماذا يكون مصير الأشقاء العراقيين أن تلاحقهم لعنات قديمة، فيما بيننا شعوب ودول، لم تلاحقهم لعنات أجدادهم، ولا لعنات الحضارات التي سادت في بلادهم؟
نريد تفسيرا منطقيا لما يجري في العراق، ولعلنا نسأل الخبراء في علوم الشعوب، وغيرهم من شعوب، ليجيبوا لنا عن السؤال الأكثر إيلاما، لماذا يكون قدر العراقيين وحدهم بين العرب، أن يعيشوا ستين عاما من الدموية، وإذا كان الشعب الفلسطيني الذي احتلت أرضه؛ أي فلسطين التي لا مثيل لها ولا بديل عنها، فإن قصة الفلسطينيين تبقى قصة احتلال، لكن قصة العراقيين أشد غرابة، فهم فوق أرضهم، وبين أهلهم، لكنهم يواصلون سقاية نخيل العراق بالدم، فلا شبع النخل، ولا ارتوت الأرض، ولا أطل القمر مبددا عتمة ليل العراق.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي