حاولت تذكّرَ متى وكيف حصلَ ذلك كلُّه، ومتى أفلتت زمامُ الأمور من يدها هي وزوجِها، فلم تستطع، كلُّ ما تذكرُه أنَّ الموضوعَ بدأ عفويّاً جميلاً بريئاً حين بادرت طفلتهما الوحيدة بتصوير نفسِها وهي ترسمُ غيوماً وأشجاراً بألوانٍ غريبة…اضافة اعلان
كانت في حوالي العاشرة من عمرها، فأبهرتهما بروحها الفنّيّةِ المتمرّدة، وأسعدتهما للغاية التّعليقاتُ التي تلقّتها الصّغيرةُ بعد نشْرِها للفيديو الطّريف على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي…
وتذكرُ أنّها كانت طالبةً خلوقةً مجتهدةً متفوّقة، فسمحتْ لها بقضاء وقتٍ ما مع الهاتف، بعد أن قام الوالد بحجب المواقع غير اللائقة!
مرّت سنواتٌ قليلة، وهي وزوجُها منشغلان ببحوثهما العلميّة المشتركة، إذ كانت شخصيّةً أكاديميّةً ذاتَ حضور وتأثير في معظم المحافل العلميّة، وكان بدوره أستاذاً مرموقاً في إحدى الجامعات، وصاحبَ براءتَي اختراع مسجّلتين باسمه …
وهكذا، إلى أن خرجت العائلة، ذات يوم، للتّسوّق في أحد المتاجر، ففوجئوا ببعض الأشخاص يقتربون من ابنتهم لالتقاط الصّور معها، ثمَّ تكرّرَ الأمرُ في الشّارع، وفي موقف السّيّارات، وفي محطّة المحروقات لاحقاً!
في الّلحظة التي وصلوا فيها البيت، بدأ التّحقيقُ مع الصّغيرة ذات الأربعة عشَر ربيعاً … ليكتشفا أنّها ناشطة الكترونيّة، ولها صفحة شهيرة، لا علاقةَ لها بالرّسم هذه المرّة، صفحةٌ تبثُّ فيها محتوياتٍ عجيبة، وتُرّهاتٍ مستفزّة، مثل تعليقاتٍ على أغنياتٍ رائجة، أوممثّلاتٍ مغمورات، أو فنّانين صاعدين، إضافة إلى أخبارٍ تافهة بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا محتوى!
فجُنَّ جنون الأب، ومضت الأمُّ تردّدُ كالهذيان: “ إلهي ما أغبانا، فعلنا ما استطعنا لحمايتكِ ممّا حسبناه الشّر الوحيد في هذه الأجهزة الّلعينة … كم كنّا ساذجَين!”
حاولت الصّغيرةُ تهدئة الوضع بأن قالت: “ مهلاً، حسبتُ أنّكما ستفرحان بشهرتي، مثل بقيّة النّاس كما رأيتما اليوم، أرجوكما، اسمعا آخرَ لقاء أجرتُه معي إحدى الإذاعات! “ووسْط ذهولهما أنصتا للحوار حتى نهايته، لتصيحَ الأم: “ ألم تسمعي كم مرّةً استخدمتِ كلمة “ أنا … أنا … أنا “ ؟ لديكِ إحساسٌ زائفٌ وخطيرٌ بالعظمة والاكتمال يا ابنتي؟
ماذا حدث لكِ، وكيف؟ “ فأجابت الصّغيرة وهي تغالبُ دموعَها: “ أنتما لا تعلمان شيئاً عن معاناتي وتعبي حتى حقّقتُ هذه الشّهرة …
وكم بكيتُ وحدي في الليالي من بعض المتنمّرين … وكم تقهرنُي زيادةُ المتابعين لبعض المنافِسات، هنَّ لديهن الملايين منهم وأنا … “ وصرخَ الأب طالباً منها التوقّفَ عن الكلام تماماً، لكنّها لم تفعل، بل أضافت: “ أنا لم أخن ثقتكما بي، شاهدا كيف تتصرّفُ غيري من الفتيات أوّلاً … ثمَّ إنّكما لا تعلمان كم من العروضِ الإعلانيّة تصلني حتى أروّجَ لمستحضراتٍ تجميليّة ٍوملابسَ وغيرِها، لكن لم أفعل حتى الآن، ولو حدث، فاعلما أنّي سأحقّقُ دخلاً أسبوعيّاً يفوقُ راتبيكما معاً!
ولم يُعلّقا بحرف، بل انسحبَ الأب إلى غرفته بتثاقل كمن دبّت فيه شيخوخةٌ مفاجئة … وخرجت الأمُّ إلى الشّرفة دون وعي لتجلسَ مطرقةً فتهمس: “ قلتَ مرّةً يا جبران إنَّ أولادَنا ليسوا لنا، بل هم أبناءُ الحياة … رحمَك الله، كم كنتَ نبيلاً مثالياً طيّباً! “
وغالبَها البكاء وهي تضيف: “بربّك، قل لي، أيَّ أولادٍ كنتَ تقصدُ بكلامك؟ وعن أيّ حياةٍ كنتَ تتحدّث … عن أيّ حياةٍ بالضّبط ؟”
كانت في حوالي العاشرة من عمرها، فأبهرتهما بروحها الفنّيّةِ المتمرّدة، وأسعدتهما للغاية التّعليقاتُ التي تلقّتها الصّغيرةُ بعد نشْرِها للفيديو الطّريف على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي…
وتذكرُ أنّها كانت طالبةً خلوقةً مجتهدةً متفوّقة، فسمحتْ لها بقضاء وقتٍ ما مع الهاتف، بعد أن قام الوالد بحجب المواقع غير اللائقة!
مرّت سنواتٌ قليلة، وهي وزوجُها منشغلان ببحوثهما العلميّة المشتركة، إذ كانت شخصيّةً أكاديميّةً ذاتَ حضور وتأثير في معظم المحافل العلميّة، وكان بدوره أستاذاً مرموقاً في إحدى الجامعات، وصاحبَ براءتَي اختراع مسجّلتين باسمه …
وهكذا، إلى أن خرجت العائلة، ذات يوم، للتّسوّق في أحد المتاجر، ففوجئوا ببعض الأشخاص يقتربون من ابنتهم لالتقاط الصّور معها، ثمَّ تكرّرَ الأمرُ في الشّارع، وفي موقف السّيّارات، وفي محطّة المحروقات لاحقاً!
في الّلحظة التي وصلوا فيها البيت، بدأ التّحقيقُ مع الصّغيرة ذات الأربعة عشَر ربيعاً … ليكتشفا أنّها ناشطة الكترونيّة، ولها صفحة شهيرة، لا علاقةَ لها بالرّسم هذه المرّة، صفحةٌ تبثُّ فيها محتوياتٍ عجيبة، وتُرّهاتٍ مستفزّة، مثل تعليقاتٍ على أغنياتٍ رائجة، أوممثّلاتٍ مغمورات، أو فنّانين صاعدين، إضافة إلى أخبارٍ تافهة بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا محتوى!
فجُنَّ جنون الأب، ومضت الأمُّ تردّدُ كالهذيان: “ إلهي ما أغبانا، فعلنا ما استطعنا لحمايتكِ ممّا حسبناه الشّر الوحيد في هذه الأجهزة الّلعينة … كم كنّا ساذجَين!”
حاولت الصّغيرةُ تهدئة الوضع بأن قالت: “ مهلاً، حسبتُ أنّكما ستفرحان بشهرتي، مثل بقيّة النّاس كما رأيتما اليوم، أرجوكما، اسمعا آخرَ لقاء أجرتُه معي إحدى الإذاعات! “ووسْط ذهولهما أنصتا للحوار حتى نهايته، لتصيحَ الأم: “ ألم تسمعي كم مرّةً استخدمتِ كلمة “ أنا … أنا … أنا “ ؟ لديكِ إحساسٌ زائفٌ وخطيرٌ بالعظمة والاكتمال يا ابنتي؟
ماذا حدث لكِ، وكيف؟ “ فأجابت الصّغيرة وهي تغالبُ دموعَها: “ أنتما لا تعلمان شيئاً عن معاناتي وتعبي حتى حقّقتُ هذه الشّهرة …
وكم بكيتُ وحدي في الليالي من بعض المتنمّرين … وكم تقهرنُي زيادةُ المتابعين لبعض المنافِسات، هنَّ لديهن الملايين منهم وأنا … “ وصرخَ الأب طالباً منها التوقّفَ عن الكلام تماماً، لكنّها لم تفعل، بل أضافت: “ أنا لم أخن ثقتكما بي، شاهدا كيف تتصرّفُ غيري من الفتيات أوّلاً … ثمَّ إنّكما لا تعلمان كم من العروضِ الإعلانيّة تصلني حتى أروّجَ لمستحضراتٍ تجميليّة ٍوملابسَ وغيرِها، لكن لم أفعل حتى الآن، ولو حدث، فاعلما أنّي سأحقّقُ دخلاً أسبوعيّاً يفوقُ راتبيكما معاً!
ولم يُعلّقا بحرف، بل انسحبَ الأب إلى غرفته بتثاقل كمن دبّت فيه شيخوخةٌ مفاجئة … وخرجت الأمُّ إلى الشّرفة دون وعي لتجلسَ مطرقةً فتهمس: “ قلتَ مرّةً يا جبران إنَّ أولادَنا ليسوا لنا، بل هم أبناءُ الحياة … رحمَك الله، كم كنتَ نبيلاً مثالياً طيّباً! “
وغالبَها البكاء وهي تضيف: “بربّك، قل لي، أيَّ أولادٍ كنتَ تقصدُ بكلامك؟ وعن أيّ حياةٍ كنتَ تتحدّث … عن أيّ حياةٍ بالضّبط ؟”
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي