بين حين وآخر، ترتفع أصوات تقول إن هناك تراجعا في علاقات الأردن مع دول الجوار، وهذه الأصوات، ومن خلال قراءتها للمشهد، تهدف إلى الترويج لفكرة الانفتاح على إيران من منطلق السياحة الدينية. هؤلاء يستندون في دعواتهم لبعد سياسي عاطفي قوامه الحرص على تنويع خيارات الأردن الاستراتيجية، وعدم الارتهان إلى علاقات عرضة للتذبذب وفق مصالح الدول الذاتية.
أتفق كليا مع ضرورة أن يدرك الأردن اليوم أن سياسته الخارجية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المتواصلة على الصعيدين؛ الإقليمي والدولي، وأن من الخطورة بمكان اقتصار هذه العلاقات على دول بحد ذاتها، وقد برهنت تجربة ترامب، التي أفقدتنا الكثير من ألقنا وحاولت أن تهز دورنا الاستراتيجي، أن لا مأمن ثابتا في العلاقات الدولية. لذلك، يجب عدم الركون المطلق دوما للحلفاء بأي صيغة كانت.
لكن حتمية تنويع الخيارات الإقليمية والدولية، لا يعني أبدا الانفتاح على دول ندرك أهدافها وغاياتها، ونرى على أرض الواقع أفعالها في دول عربية عديدة، أدت بها إلى عدم الاستقرار من خلال التدخل المباشر في شؤونها، وعدم احترام سيادتها.
لا شك أن قرار الانفتاح الديني على إيران يخضع لاعتبارات عديدة، وهو مطروح منذ سنوات طويلة للنقاش والتحليل، وقد تعالت مرارا وتكرارا الأصوات التي تنادي به. ومع أهميته اقتصاديا إلا أن له أبعادا قد تشكل عبئا على الدولة الأردنية من جميع النواحي، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي. فهل نحن جاهزون لذلك؟
من الناحية الاقتصادية، فبالتأكيد أن السماح للإيرانيين بزيارة الأماكن السياحية الدينية في الأردن يساهم في تدفق مالي كبير، وينعش الحركة التجارية، ويفتح الآفاق كثيرا أمام تشغيل الأردنيين في قطاعات عديدة. هذا أمر مهم في دولة كالأردن تعاني من ارتفاع نسبة البطالة بشكل غير مسبوق.
لكن في السياق ذاته، وبتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، هل يوازي ذلك ما سنفقده من منفعة اقتصادية قائمة منذ سنوات طويلة مع دول لا ترى في إيران عامل استقرار في المنطقة جراء مطامعها التوسعية وتدخلاتها الخارجية؟ أي يجب أن نضع مقارنة حقيقية بين مصالحنا المشتركة مع الجميع، وما يحقق مصحلة الأردن بعيدا عن التجاذبات السياسية في المنطقة والصراع القائم على تسيد المشهد بين الأطراف المختلفة.
الأردن، تاريخيا، يدير دفته الخارجية باقتدار، وبما يحقق الفائدة لدولة تقع بين أتون حروب وصراعات دائمة، واحتلال للجوار منذ عشرات السنين، فالأمور لا تقاس فقط من بعد اقتصادي، وإنما هناك بعد أمني مهم ينبغي أن يتم أخذه بعين الاعتبار بعد أن رأينا الدور الإيراني جليا في دول شقيقة كسورية والعراق واليمن ولبنان.
على الصعيد الديني، فالمجتمع الأردني ليس معنيا بدخول معركة ضد التشيع في حال تم السماح للإيرانيين بالقيام بزيارات سياحية في محافظات المملكة، فهذا الأمر قد يشكل عبئا جديدا ليس آوانه الآن، ولسنا معنيين به لا من قريب ولا من بعيد، ناهيك عن ضرورة الحفاظ على بعد الاستقرار الاجتماعي الذي يمكن أن يهتز من خلال خطوة كهذه.
عمان التي حملت رسالة التسامح الديني، وكانت شريكا استراتيجيا في محاربة الإرهاب والإرهابيين، لا يمكن لها أن تنقل الصراع الديني في المنطقة إلى داخل حدودها، أو أن تسمح له بالتغلغل التدريجي.
واهم من يعتقد أن إيران ستكون بابا للتحسن الاقتصادي للأردن، مهما بلغت قيمة الإيرادات المالية التي سنجنيها جراء السياحة الدينية، فإن التكلفة ستكون باهظة الثمن على الصعيدين؛ الاجتماعي والسياسي، وكذلك لا يمكن التقليل من الخطورة الأمنية لمثل هذه الخطوة. على دعاة الانفتاح على طهران التمهل، والابتعاد عن العاطفة وردة الفعل.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي