كنت قبل سنين طويلة في منطقة صحراوية برفقة عرب وأجانب، في بلد عربي، ذهبنا إليها للتخييم، ليلة الخميس، والعجوز الذي يقترب من التسعين ويسكن مع أهله في عمق الصحراء، اقترب من زوار منطقته للسلام، ويقول لنا محذرا إن هناك مطرا غزيرا قادما.
حين سألته كيف يعرف ذلك، والسماء صافية جدا، وهو في عمق الصحراء، ولا أجهزة أرصاد جوية لديه، أجابني بكل بساطة إنها الخبرة، ورائحة الهواء تقول إن المطر يقترب، ثم أصر قائلا سترى وسوف تسمع، يومين أو ثلاثة وسوف يسقط المطر غزيرا هنا، فلا تبقوا هنا طويلا، حتى تكون عودتكم سهلة، في ظل اختلاف الجو المقبل.
بالفعل، مر يومان، وفاضت السماء بالمطر على تلك المنطقة، وبقيت قصة الرجل في ذاكرتي كلما أقرأ نشرة جوية جديدة، تتحدث عن تحولات حالة الطقس، وهذا الرجل البسيط بفطرته استطاع أن يعرف ماذا سيحصل في منطقته، وهي قصة تشترك مع قصص كثيرة ترتبط بالعلم، وكثيرا ما سافرنا الى أوروبا والولايات المتحدة، وكانت نشرات الجو تتحدث بشكل دقيق جدا، عن تقلبات الطقس، حتى إنني برفقة وفد في نيويورك ذهلنا؛ إذ قال الراصد الجوي إن الثلج الخفيف سوف يبدأ بالتساقط من التاسعة صباحا حتى الرابعة عصرا، وإن الرحلات الجوية قد تلغى بسبب التراكم، وهذا ما حدث.
معنى الكلام، أن العرب الكرام في صحاراهم، والأميركيون في علياء علمهم، يستطيعون في حالات كثيرة تحديد نشرة الطقس، بكل بساطة، مع فروقات هنا أو هناك.
في الأردن، القصة مختلفة؛ إذ إننا طوال عمرنا، وخلال السنين الفائتة تحديدا، نشهد عدم دقة النشرات الجوية، وكل مرة يبررون لك عدم الدقة، بكون المنخفض إما فر في اللحظات الأخيرة، وغير وجهة سفره الى مكان آخر، أو أن المنخفض غدر الراصدين، وقرر أن يفيض فتغرق عمان وأخواتها، وفي حالات كثيرة يدب النزاع بين مراكز رصد رسمية، ومراكز رصد غير رسمية، على طريقة الزوجتين الأولى والثانية، وما بينهما من حسد وحقد وكراهية.
فوق كل هذا يشمت كل طرف بالآخر، إذا لم تصح توقعاته، فالراصد الرسمي يقول نحن لم نتحدث هكذا، ويحرض على من يراهم هواة، والهواة الذين باتوا محترفين من جهتهم، يلسعون الراصد الرسمي، بكلام كثير عن قلة الدورات، أو ضعف التجهيزات، وغير ذلك، ويتراشق الطرفان بكونهما يعتمدان على مراكز رصد وخرائط أجنبية، وإن المشكلة في التحليل والقراءة وصياغة التوقعات للفترة المقبلة، وبين العباقرة تاه الناس وضاعوا.
الأيام الأخيرة شهدت توقعا بسقوط مطر غزير، وهذا لم يحدث، وقبل ذلك عشنا خيبات كثيرة على مدى سنين، إزاء نشرات فاشلة من جهات عدة، وهذا يفتح الباب لما هو أهم، بعيدا عن تصيد الأخطاء، والتنابز بالألقاب؛ أي خطورة النشرات الجوية غير الدقيقة، من ناحية جاهزية المؤسسات، وحالة الطوارئ، وصولا الى الاستعداد في حالات الخطر، وحركة التنقل، والمواصلات، وتأثير ذلك على الزراعة، بل والعلاقة مع البيع والشراء، حين ينهمر مئات الآلاف على المخابز لتخزين الخبز، والمواد الغذائية، فلا يأتي الثلج ولا المطر!
هذا ملف بحاجة الى معالجة رسمية، من دون أن نتورط هنا بالكيدية، والحض على إجراءات ضد هؤلاء أو هؤلاء؛ إذ لا بد من الاستماع الى الكل، ومعالجة النواقص التي تؤدي الى إصدار نشرات جوية غير دقيقة، على صعيد الأجهزة، والتأهيل، والمعدات، والخبرات، وغير ذلك، حتى لا نبقى أمام مشهد كوميدي، حين يكون التبرير دوما، أن المنخفض اقترب من الأردن، ثم هرب بعيدا، ربما خوفا من الضرائب، أو الجرائم الالكترونية، أو حتى ملاحقة الدائنين، فهذا منطق غريب لا تسمعه في دول أخرى، حتى وإن كان واردا بشكل علمي، لكنه الاستثناء وليس القاعدة، وقد يحدث مرة بين عشر مرات فقط لا غير.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي