«ان الذين تباهوا بكونهم قد صنعو الثورة، قد اقتنعوا دائما في اليوم التالي بأنهم لم يكونوا يعرفون ما صنعوه، وأن الشيء الذي صنعوه لا يشبه البتة ذلك الذي ارادوه» (ماركس أنجلس / رسائل مختارة / دار التقدم) هذه العبارة انقلها من واحدة من رسائل فريديريك انجلس الشريك مع كارل ماركس في إنشاء اعظم نظرية ثورية في التاريخ الهمت اجيالا وشكلت القاعدة الايدولوجية من منتصف القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين لثورات كثيرة انطبق عليها مثل بقية الثورات ملاحظة انجلس الثاقبة والصحيحة. ويا لها من مفارقة خارقة أن تصدر هذه الملاحظة عن واحد من اعظم المفكرين الذي وضع اسمه بجداره الى جانب رفيقه ماركس الذي سميت النظرية بإسمه ورسمت تصورا محددا لما يفترض ان تصنعه الثورة أي القضاء على الرأسمالية وانشاء مجتمع النعيم الاشتراكي الخالي من الاستغلال ويسوده مبدأ «من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته» ولم تصل اي ثورة الى هذه النتيجة ابدا.اضافة اعلان
الثورات الاشتراكية وكل الثورات الأخرى على السلطة القديمة صنعت شيئا يشبه نفسه فقط وهو في الغالب سلطة استبدادية جديدة تتكون لها مصالح خاصة منفصلة فوق حاجات المجتمع وتذهب في مسار جديد لم يخطط له احد. واذا كانت ذريعة الاستبداد في السلطة التي صنعتها الثورات هي منع الثورة المضادة وفرض النظام الاشتراكي الذي سيقود (لاحقا) الى ديمقراطية حقيقية فما حصل ان سلطة حديدية بوليسية مستبدة دامت وتشكلت مصالح خاصة لديمومتها كما حصل في دول المعسكر الشرقي والعديد بل ومعظم دول العالم الثالث. بل انه وفق النظرية الماركسية فإن دكتاتورية الطبقة العاملة ستؤدي تاريخيا ومع انتهاء انقسام المجتمع الى طبقات الى اضمحلال الدولة وانتفاء الحاجة لها بما هي تعريفا اداة قمع بيد طبقة ضد طبقات اخرى.. والحال ينطبق على مختلف الثورات اي كانت الايدولوجيا التي حملتها بما في ذلك الايدولوجيا الدينية وكم من الثورات اكلت ابناءها حتى لم يتبق من الجيل الأول احد فينظر الناجون الى الوراء مذهولين مما انتهى اليه الأمر الذي شاركوا به ولم يخطر لهم على بال ولا يشبه البته ما حلموا به. والحق ان ذلك ينطبق على التاريخ كله فالبشر يشاركون في صنع الأحداث لكن النتائج تأخذهم في مسارها الخاص فوق كل التوقعات.
الديمقراطية انهت عصر الثورات وتسيدت في الواقع الدولي ما دامت تتيح لكل فكرة ان تناضل لأخذ فرصتها سلميا وبتفويض من المجتمع ودوريا كل بضع سنوات. لكن بالطبع لم ينته عصر الثورات حيثما توجد سلطة مستبدة فاسدة تقاوم منحى التاريخ ونصر على رفض التحول السلمي نحو الديمقراطية وهذا ما أدى الى ثورات الربيع العربي التي كان على جدول اعمالها نقطة واحدة فقط هي ازالة السلطة المستبدة واحلال الديمقراطية ومع ذلك انطبقت عليها نفس المقولة من حيث مآلاتها وهي في بعض الحالات مثل اليمن وسوريا أسوأ من أي شيء يمكن توقعه؟.
المفارقة الأخيرة اننا وبينما ننتظر كحلم النموذج الديمقراطي الليبرالي القائم على مؤسسات التمثيل الشعبي المنتخبة فإن هذا النموذج نفسه قد يكون قيد الأفول لصالح نظام يقوم على الديمقراطية المباشرة التكنولوجية وقد تنتهي الحاجة الى الديمقراطية التمثيلية على يد صنيعتها الأخيرة الثورة العملية التكنولوجية الرقمية. فغدا يمكن تطوير برامج تصويت الكتروني تضمن بصرامة من خلال بصمة الاصبع أو العين صحة صوت كل مواطن وبعد غد سيصبح ممكنا اجراء الاقتراع العام كل يوم وكل ساعة أو استبدال تصويت ممثلي الناس بتصويت الناس مباشرة على كل قرار وعلى اي مستوى وسستتكفل خوارزميات بإدارة القرار الذي كان يخضع لمناورات السياسيين وأوهامهم وهذا حديث مفتوح للرياضة الذهنية.
الثورات الاشتراكية وكل الثورات الأخرى على السلطة القديمة صنعت شيئا يشبه نفسه فقط وهو في الغالب سلطة استبدادية جديدة تتكون لها مصالح خاصة منفصلة فوق حاجات المجتمع وتذهب في مسار جديد لم يخطط له احد. واذا كانت ذريعة الاستبداد في السلطة التي صنعتها الثورات هي منع الثورة المضادة وفرض النظام الاشتراكي الذي سيقود (لاحقا) الى ديمقراطية حقيقية فما حصل ان سلطة حديدية بوليسية مستبدة دامت وتشكلت مصالح خاصة لديمومتها كما حصل في دول المعسكر الشرقي والعديد بل ومعظم دول العالم الثالث. بل انه وفق النظرية الماركسية فإن دكتاتورية الطبقة العاملة ستؤدي تاريخيا ومع انتهاء انقسام المجتمع الى طبقات الى اضمحلال الدولة وانتفاء الحاجة لها بما هي تعريفا اداة قمع بيد طبقة ضد طبقات اخرى.. والحال ينطبق على مختلف الثورات اي كانت الايدولوجيا التي حملتها بما في ذلك الايدولوجيا الدينية وكم من الثورات اكلت ابناءها حتى لم يتبق من الجيل الأول احد فينظر الناجون الى الوراء مذهولين مما انتهى اليه الأمر الذي شاركوا به ولم يخطر لهم على بال ولا يشبه البته ما حلموا به. والحق ان ذلك ينطبق على التاريخ كله فالبشر يشاركون في صنع الأحداث لكن النتائج تأخذهم في مسارها الخاص فوق كل التوقعات.
الديمقراطية انهت عصر الثورات وتسيدت في الواقع الدولي ما دامت تتيح لكل فكرة ان تناضل لأخذ فرصتها سلميا وبتفويض من المجتمع ودوريا كل بضع سنوات. لكن بالطبع لم ينته عصر الثورات حيثما توجد سلطة مستبدة فاسدة تقاوم منحى التاريخ ونصر على رفض التحول السلمي نحو الديمقراطية وهذا ما أدى الى ثورات الربيع العربي التي كان على جدول اعمالها نقطة واحدة فقط هي ازالة السلطة المستبدة واحلال الديمقراطية ومع ذلك انطبقت عليها نفس المقولة من حيث مآلاتها وهي في بعض الحالات مثل اليمن وسوريا أسوأ من أي شيء يمكن توقعه؟.
المفارقة الأخيرة اننا وبينما ننتظر كحلم النموذج الديمقراطي الليبرالي القائم على مؤسسات التمثيل الشعبي المنتخبة فإن هذا النموذج نفسه قد يكون قيد الأفول لصالح نظام يقوم على الديمقراطية المباشرة التكنولوجية وقد تنتهي الحاجة الى الديمقراطية التمثيلية على يد صنيعتها الأخيرة الثورة العملية التكنولوجية الرقمية. فغدا يمكن تطوير برامج تصويت الكتروني تضمن بصرامة من خلال بصمة الاصبع أو العين صحة صوت كل مواطن وبعد غد سيصبح ممكنا اجراء الاقتراع العام كل يوم وكل ساعة أو استبدال تصويت ممثلي الناس بتصويت الناس مباشرة على كل قرار وعلى اي مستوى وسستتكفل خوارزميات بإدارة القرار الذي كان يخضع لمناورات السياسيين وأوهامهم وهذا حديث مفتوح للرياضة الذهنية.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي